الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإنصياع لواشنطن وتجاهل رأي المرجعية

بواسطة azzaman

الإنصياع لواشنطن وتجاهل رأي المرجعية

علي قاسم الكعبي 

 

تُعد معضلة «السلاح المنفلت» واحدة من أكبر التحديات البنيوية التي واحهتها حكومات ما بعد عام 2003 في العراق؛ فهذا السلاح بات يُشكل خطراً وجودياً يقوض هيبة الدولة ويجعل يد القانون مغلولة عن فرض النظام. لقد تسرب السلاح إلى أيدي «جماعات ومنظمات» وظفته كقوة موازية تعلو فوق سلطة الدولة، حتى جاء المنعطف الأكبر مع دخول تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث تحول السلاح إلى فصائل منظمة عسكرياً تتحرك وفق أيديولوجيا عقائدية متجذرة.

مرحلة التحول

ومع إعلان النصر المؤزر على «داعش» عام 2018—وهو نصرٌ تاريخي شارك فيه عموم الشعب، ولا ننكر أن الفصائل كان لها دور في كتابته لقد برزت حقيقة مريرة على السطح: السلاح لم يعد إلى مخازن الدولة. بل على العكس، تحول إلى أداة ضغط فاعلة في المسارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مزاحماً الدولة في أدق تفاصيلها. ورغم تواتر المطالبات الوطنية، لاسيما من «التيار الصدري»، والتي عضدتها المرجعية الدينية العليا بدعواتها المتكررة لحصر السلاح بيد الدولة، ورفضها استقبال الكتل السياسية التي لم تستجب لهذا المطلب، إلا أن تلك الدعوات لم تجد آذاناً صاغية لدى مراكز القوى المسلحة.

القبول بالواقع

لقد افتقرت الحكومات المتعاقبة للشجاعة السياسية اللازمة لاتخاذ قرارات حاسمة، وظلت مواقفها تتسم بالخجل والتردد، مما رسخ واقع الحال. وما زاد المشهد تعقيداً هو تغلغل تلك الفصائل في جسد الدولة عبر أجنحة سياسية ممثلة في البرلمان، لتمارس العمل السياسي مستندةً إلى سطوة السلاح لتعزيز مكاسبها.

حان وقت الجد

لكن، يبدو أن هذا الوضع لم يعد مقبولاً لدى الولايات المتحدة التي صمتت طويلاً؛ فقد حان «وقت الجد» في الرؤية الأمريكية. إذ أعلنت واشنطن بصريح العبارة عن ضرورة إنهاء ملف الفصائل المسلحة، وفرض واقع جديد يقضي بمنع النشاط المسلح لمن يمتلك قدماً في السلطة وأخرى على الزناد.

والمفارقة الكبرى التي تستدعي التأمل، هي أن رسائل واشنطن هذه المرة وجدت آذاناً صاغية تماماً؛ حيث انصاعت معظم الفصائل للضغوط، وبدأنا نرى تحولاً في الخطاب، كما جاء في دعوات حيدر الغراوي (أمين عام فصيل أنصار الله الأوفياء)، وقبله شبل الزيدي وعمار الحكيم، بضرورة حصر السلاح بيد الدولة. هذا التحول الدراماتيكي يثبت أن الضغط الخارجي حقق ما لم تحققه الفتاوى والمناشدات الوطنية؛ إذ يبدو أن هذه القوى ترى في الاندماج السياسي وحصر السلاح نافذة تفاهم ولو غير مباشرة—مع واشنطن لضمان بقائها.

وفي هذا السياق، تشير مصادر مطلعة إلى وجود قنوات تواصل، أو محاولات تفاهم عبر وسطاء محليين أو إقليميين، تركز على «شكل المشاركة وضمانات ضبط السلاح». يأتي هذا في وقت تعيش فيه قوى «الإطار التنسيقي» ذروة انتعاشها السياسي بعد الفوز بالانتخابات المحلية، واعتبار نفسها الكتلة الأكبر التي تضمن رئاسة الوزراء بأريحية.

لكن الرؤية الأمريكية الجديدة أفسدت نشوة هذا النصر؛ ليتنفس رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الصعداء بعد أن لاح له «الضوء الأخضر» لإمكانية الحصول على ولاية ثانية. وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل ستقتنع واشنطن بدعوات الفصائل لحل نفسها وحصر سلاحها؟ وهل سيضحي الإطار ببعض مكاسبه لمنع السوداني من التفرّد بالولاية الثانية، أم أننا أمام سيناريو جديد لم تتضح معالمه بعد؟

 


مشاهدات 53
أضيف 2025/12/21 - 6:03 PM
آخر تحديث 2025/12/22 - 12:18 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 16 الشهر 15932 الكلي 12999837
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير