كلمة شكرًا تُساند الإنسان وتُضيء له الدرب
عماد يوسف خورشيد
من خلال البحث في معاجم اللغة، لاحظنا أن كلمة الشُّكْرُ تعني: عِرفان النعمة وإظهارُها والثناء بها، عِرْفانُ الإِحسان ونَشْرُه (1). وأن كلمة "شكرًا" في الاصطلاح تعني: تعبير عن امتنان وتقدير لمن قدم مساعدة أو خدمة أو إحسان، وتعد "شكرًا" من القيم الإنسانية الرفيعة في حياة الإنسان. ومعلوم أن القيَم الإنسانية (2) هي المحرك لسلوك الإنسان في الحياة. ولأهمية الموضوع في حياة الإنسان، والتي نرى أن قسمًا من الناس لا يستخدمون كلمة "شكرًا" لأسباب مختلفة، رغم أهميتها في الحياة اليومية، لذلك نرتئي تسليط الضوء على تفاصيله دون إسهاب، وذلك في الفقرات الآتية:
مدى تأثير كلمة شكرًا على الفرد:
عندما يسمع الإنسان كلمة "شكرًا" مقابل ما قدمه للآخر، فإن ذلك يشعره بالسعادة، ويفكر بشكل إيجابي باتجاه هذا الشخص والمجتمع، ويفكر في أن يقدم له المزيد من المعروف، مما يزيد من التفكير الإيجابي وحل المشكلات، ويرى ثمرة معروفه مُقدَّرة. أما في حالة عدم شكر المعروف مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، فإنه يولد القلق واليأس، وقد يقول في قرارة نفسه: "لن أقدم بعد اليوم أي معروف لهذا الشخص، فإنه لا يقدر المعروف ولا يقدِّر"، وقد يكون سببًا في قطع سبيل المعروف عن الناس كافة. فقول "شكرًا" يشبه إضاءة مصباح صغير في قلب من يسمعها، فتجعله سعيدًا (3) ، وترسم في ذهن المتلقي لوحة جميلة من أن القائل لكلمة "شكرًا" ذوو قيم واحترام ونبل.
مدى تأثير كلمة شكرًا على المجتمع:
إن استخدام قيمة الشكر مع من يقدم لك معروفًا أو خدمة فإنه يعزز أواصر التعاون والتضامن والمحبة بين أفراد المجتمع، ويشجع الناس على أن يقدموا الخدمة أو العمل أو المهنة بجد وإتقان، لأنك ترسل لهم رسائل مضمونها "بأن جهودهم مقدرة".
وبناءً على ذلك، فإن توجيه كلمة "شكرًا" للناس سواء كان بشكل شفوي بين الناس في الحياة العامة الاجتماعية، أو في المؤسسات الحكومية، فإن ذلك يعزز من الالتزام بتنفيذ العمل أو المهنة أو الخدمة بإتقان ودقة، حتى وإن كان البعض لا يحمل القيم الإنسانية، لكن ستؤثر عليه ولو بنسبة معينة في إتقان عمله، وخاصة عندما يرى غالبية المجتمع في اتجاه استخدام كلمة "شكرًا" وظهور آثارها عليهم.
وفضلًا عن ذلك، قد يشجع بعض الناس في تقديم خدماتهم وعملهم ومهنهم دون مقابل، كمتطوعين. فكلمة "شكرًا" ضرورة لا بد من قولها في جميع الأحوال، لأن قد يعتبر البعض من الناس أن المساعدة المقدمة واجبة، مما يقلل من تقدير قيمة العطاء، ويقل المعروف بين الناس، وهذه ظاهرة سلبية تظهر في المجتمعات التي لا تحمل القيم الإنسانية.
وأكثر من ذلك، فإنه يشجع الناس على التكاتف والتعاون في تذليل العقبات، وكما يقول المثل المصري "الناس لبعضيها". وبذلك تزيد النعم ويسود الرخاء، ويخرج الأفراد من التركيز على ذواتهم بشكل مفرط، والذي قد يسبب الأنانية لدى البعض، إذ يدركون أن مصادر الخير في حياتهم قد تأتي من الآخرين أو من قوى خارجية، مما يربطهم بشيء أكبر من أنفسهم، وينتج عن ذلك نشر اللطف واللياقة واللباقة بين الناس، وتجعلهم أكثر استعدادًا لرد الجميل.
وسائل تعزيز قيمة "شكرًا":
أولًا: التربية داخل الأسرة: من واجبات الوالدين تربية ورعاية الأطفال، فالتربية تكون من خلال غرس القيم الإنسانية بداخلهم، وتزكية نفوسهم بالأقوال والأفعال التي تشير وتحث على الخير لنفس الطفل والأسرة والمجتمع. وتتمثل كلمة "شكرًا" في: أن يقول الأب لزوجته أو أخته أو أمه أو أي شخص أعد الطعام: "الحمد لله، سلمت يداك، شكرًا على إعداد الطعام". والاعتياد باستمرار على استخدام كلمة "شكرًا" لكل تعاون بين أفراد الأسرة، فالطفل يلتقط الكلمات بشكل سريع ويؤثر عليه في المستقبل، ويكون عادة وسلوك يقوم ب ه الطفل بشكل مستمر. وليعلموا منذ الطفولة أنه: "لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل".
ثانيًا: التربية داخل المدرسة: ويكون من خلال المعلم والمدرس بأن يغرس قيمة الشكر عندما يقدم الطالب مساعدة لزميله في الصف أو المدرسة، أو فيما بين المعلمين أو المدرسين، وأن يعطوا لهم أمثلة من الواقع على أن هذه الثقافة، وأن يعلموهم بأن "شكرًا" من الأصول الطيبة في المجتمعات المتحضرة.
ثالثًا: تعزيز قيمة "شكرًا" في المجتمع: ويكون ذلك عند ممارسة الحياة اليومية وتلبية الاحتياجات، والتي تتمثل في: قول "شكرًا" بعد شراء أي شيء من المتجر أو الأسواق، وكذلك لصاحب المخبز بعد شراء الخبز، وبعد تعبئة البنزين، وعند الاستفسار والسؤال من شخص - سواء بالهاتف أو مباشرة - عن مكان أو شيء معين سواء قد وصلت للمعلومة أم لم تصل قل له "شكرًا"... إلخ. وتجدر الإشارة إلى أن هناك دراسات علمية أشارت في نتائجها أن كلمة "شكرًا" وتأثيرها الإيجابي ليس فقط على من قدم لك معروفًا، بل على من يسمعها ويراها (4).
رابعًا: تعزيز قيمة "شكرًا" في المؤسسات الحكومية: معلوم أن الوظيفة العامة هي تكليف وطني وخدمة اجتماعية يستهدف القائم بها خدمة المواطنين في ضوء القواعد القانونية. ولذلك أوجب القانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل النافذ بأن يكون في المادة 4 منه اللياقة واللباقة حاضرة عند التعامل فيما بين الموظفين، بمعنى أن يكون سلوك وتحدث الموظف متسمًا بالأدب والذوق وبلغة إيجابية (5). وبناءً على ذلك، يلاحظ وجود موظفين متقنين لعملهم ويقدمون زيادة من المطلوب، أو يقدم خدمة أو جهدًا علميًا أو إنسانيًا، هنا القانون والعرف الإداري أعطى السلطة التقديرية لمدير المؤسسة بتكريم هؤلاء الموظفين بكتاب شكر وتقدير أو صرف مكافأة مالية، وبالطبع يكون لهذا الأثر الكبير في نفس الموظف من تقديم المزيد والولاء والوفاء للوظيفة العامة والوطن، فالشكر قد يكون فعلًا وقد يكون قولًا. وفي مقابل ذلك عندما تتلقى الخدمة من الموظف الأفضل أن تشكر الموظف على ذلك، لما لذلك من أثر إيجابي على نفس الموظف كما تبين أعلاه.
صور قيمة "شكرًا": إن كلمة "شكرًا" تتجسد في صور متعددة بحسب اختلاف ثقافة المجتمع، ولكن كلها تعطي ذات المعنى تعبيرًا عن الامتنان، فعلى سبيل المثال يقال: شكرًا جزيلًا، الشكر لك، شكر الله لك، الله يكثر خيرك، يعطيك العافية، الله يعافيك، يسلمو ايدك، تسلم ايدك، الله يسلمك، ممنون منك، متشكر، وبتشكرك، الله يجازيك خير، كتر خيرك، ممتن لك، أحسن الله إليك، أنعم الله عليك، جزاك الله خيرًا، بارك الله بك، يعطيك الصحة، تعيش، يعيشك، تعيشو، تعيش.
وتأسيسًا على ما تقدم، من الأسرة تبدأ غرس القيم الإنسانية، وفي المدرسة تنمو، في الجامعة تزهر، وفي المجتمع تؤتي أُكلها. ومن هذه القيم الإنسانية قول "شكرًا" لكل إنسان يقدم لك معروفًا أو خدمة أو عملًا أو القيام بواجب على أتم وجه، سواءً من الأقرباء أو غيرهم. فكم من كلمة طيبة وأدت مشكلة كانت تؤدي إلى جريمة! ومما نقف عنده أن خالقنا – سبحانه وتعالى- رب العالمين يؤكد في القرآن الكريم على أن يتحلى الإنسان بقول الكلمة الطيبة نذكر منها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ). (24) سورة ابراهيم. ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ آية 53 سورة الإسراء. ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الحج آية 24. ويؤكد خالقنا على شكر النعمة (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) آية 7 سورة ابراهيم. (وسيجزي الله الشاكرين). سورة آل عمران (144).
وفي هذا المقام، قال سيدنا ونبينا محمد ﷺ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". وقال كذلك (من لم يشكرِ النَّاسَ لم يشكرِ اللَّهَ).
خلاصة القول، بعد أن تبين لنا اهمية قيمة "شكرًا" في حياة الإنسان، ضرورة تحلي كل انسان به، فلنقل "شكرًا" لكل: من يمدّ لنا يد العون، ويسدي لنا معروفًا، وكل من يقف بجانبنا، ولكل من يساعدنا، ولنرد الجميل لمن أحسن إلينا، ولنشكر ونثني على من يقف بجانبنا في المحن والمواقف الصعبة. فكل ما تقدم تظهر إنسانية الإنسان، وغايتها استقرار التعاملات اليومية، وحياة أجمل.
ا.م.د. عماد يوسف خورشيد
الجامعة التقنية الشمالية/ كلية البوليتكنك كركوك
21/ 10/2025
المراجع
1. المعاني. لكل رسم معنى. https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%83%D8%B1/?c=%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%AD .
2. د. عماد يوسف خورشيد. صحيفة الزمان/ طبعة العراق. ما هي القيم الانسانية؟ [تاريخ الاقتباس: 21 10, 2025.]
https://www.azzaman-iraq.com/content.php?id=109994 .
3. عقول. لماذا نقول شكرًا؟ https://3qool.net/%D9%87%D9%84%20%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%85%20%D8%A3%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%83%D8%B1%20%D9%8A%D8%AC%D8%B9%D9%84%D9%83%20%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1%20%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9%D8%9F .
4. Berkeley Greator Good Magazine Center at the University of California. The Ripple Effects of a Thank You https://greatergood.berkeley.edu/article/item/the_ripple_effects_of_a_thank_you .
5. د. عماد يوسف خورشيد، نفائس قانونية وقيم انسانية، الجزء الاول، هاتريك للطباعة والنشر والتوزيع، اربيل، 2026. صفحة 21. الترقيم الدولي للكتاب : 9789922247250.