الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
آغالة يحمل بيئته المحلية إلى العالمية.. تشكيلي يعتبر الفن لعبة روحية والفيروزي يطغي على أعماله

بواسطة azzaman

آغالة يحمل بيئته المحلية إلى العالمية.. تشكيلي يعتبر الفن لعبة روحية والفيروزي يطغي على أعماله

 

السليمانية - باسل الخطيب

لعل الصدفة المقترنة بالإصرار والانتماء للبيئة المحلية، هي المدخل المناسب لتناول سيرة الفنان التشكيلي والمصور الفوتوغرافي الكردي رستم آغالة، الذي شق طريقه ليصبح أحد رموز الحركة الفنية الكردســـتانية ذات الحضور العالمي.

ولد آغــــــالة (وتعنــــــــي الشــــــــــــيخ الكبيـــــــــر)، في قضــــاء كويســــنجق (كوية) التابع لمحافظة أربيل عـــــــام 1969، لعائلـــــــــــة فلاحية بسيطة. ولم يكن يتمتع بموهبة الرسم في طفولته، بخلاف شقيقه الأكبر كمال الذي كان يقلده، حتى إن محاولة إهدائه رسماً لفراشة لفتاة من الجيران قوبلت بالسخرية بسبب رداءة مستواه الفني.

عندما أكمل الشاب رستم دراسته المتوسطة في كويســــنجق ، نصحه أحد معلميه بالتقديم لمعهد الفنون الجميلة في السليمانية لتطوير قدراته، وهو ما كان، برغم صعوبة التنقل والظروف المعيشية القاسية حينها. وفي المعهد واجه أول التحديات في حياته عندما وجد أن كثيراً من زملائه يرسمون أفضل منه، فأجبر نفسه على التدرب على الرسم بحدود خمس ساعات يومياً للارتقاء بقدراته. وتحقق له ما أراد في المرحلة الثالثة، عندما اشتد عوده وبدأت رسوماته تلفت أنظار مدرسيه وأقرانه.وبعد تخرجه من المعهد عام 1989 سيق للخدمة العسكرية في معسكر أبو غريب بالعاصمة بغداد، وكان خلال خدمته يزور المعارض الفنية، حيث التقى في أحدها الفنانة التشكيلية الراحلة ليلى العطار، التي أعجبت بلوحاته ودعته للمشاركة في أحد المعارض الفنية عام 1990.

 أمضى الفنان رستم آغالة في الخدمة العسكرية حوالي سنة وشهر قبل أن يفر منها ويعود لمسقط رأسه ليتفرغ للرسم كلياً. وبعد عدة محاولات عمد عام 1992 لافتتاح أول معرض شخصي له بعنوان «كردستان بلدي» في أحد الخانات القديمة بالقضاء، شارك بقص شريطه الدكتور فؤاد معصوم والشاعر الراحل شيركو بيكس

انماط السجاد

توالت معارض رستم آغالة داخل كردستان وخارجه، لا سيما معرضاه في السليمانية عامي 1993 و1995 اللذان لاقيا صدى واسعاً، إذ جسّد فيهما مفردات الحياة الكردستانية من نساء، طيور، أشجار، جبال والسجاد الذي أصبح لاحقاً ركيزة أسلوبه الفني لما يتميز به من ألوان حادة ووحشية جذابة.

ودرس الفنان مختلف أنماط السجاد الكردي (هورماني، دزيي، كويي، برواري، هركي، زيباري وغيرها)، لاسيما أن كل منها يحمل هوية عشائرية ومناطقية خاصة. فسجاد دزي مثلاً يمتاز بصور الأشخاص ورقص النساء، بينما يتسم سجاد رانية وشقلاوة بكثرة الأشجار والطيور، فيما يشتهر سجاد أربيل بالمساحات الفارغة وهكذا.ومن خلال دراسته مختلف أنواع السجاد، اكتشف أسراره وطلاسمه، ووجد أن الأحمر هو ملك الألوان في المناطق الجبلية، عازياً ذلك إلى كونه «امتداداً لرموز النار والشمس»، كما يعتقد.

وفي مرحلة لاحقة، ركّز آغالة على رسم الحمار والكلب لدورهما الأساس في حياة الفلاحين. وتمكن خلالها من بيع 15 لوحة تحمل رموز الحمير، بثمن جيد مكّنه عام 1997 من شراء منزل لعائلته في مدينة السليمانية.ووظف في لوحاته، حبة الرمان، كونها «رمزاً يمثل القبلة كما يمثل الدموع» بحسب رأيه. كما وظف في لوحاته أيضاً اسطورة شامران (أو شاه ميران وتعني بالعربية ملك الثعابين)، وهي أسطورة كردية قديمة عن كائن أسطوري يجمع بين نصف امرأة ونصف ثعبان، المهم في الذاكرة الكردية والإيرانية والأناضولية. إذ رسمها برقة وجمال مع الحفاظ على رمزيتها المزدوجة بين الخير والنقاء والجمال والشباب الأبدي من جهة، والشر والغدر والخيانة من جهة أخرى، وهي رؤية ينسبها إلى فهمه الخاص للأسطورة.

ويؤمن آغالة، بأن الفن «يعني الاكتشاف ولعبة روحية ووسيلتي لكتابة سيرتي الذاتية». لذلك سعى إلى «اكتشاف مجموعة مفردات ورموز كوردية منها الأزياء السجاد الحمير الطيور وعين الحسود (تميمة زرقاء على شكل عين، يُعتقد في بعض الثقافات أنها تحمي من العين والحسد) وغيرها».

ومع تطور تجربته، طغى اللون الأزرق الفيروزي على أعماله، واتجه نحو الأسلوب الرمزي التعبيري. وبهذا الصدد يقول إن «لوحاتي قصائد مصوّرة تحكي قصة الشعب الكردي»، ويضيف أنها «تجسد مشاعر الهوية والوجع والفرح يرافق حياة الإنسان الكردي».

وتتميز أعماله بالخطوط الحادة والرموز البسيطة ذات الدلالات القوية، وتمزج بين الرمز والموقف السياسي والاجتماعي، مستلهمة تأثيرات بيئية وأساطير محلية. وتتناول موضوعات كالهوية، الغربة، الوحدة والعنف، تعبيراً عن تجربة الإنسان الكردي بكل ما فيها من ألم وصمود وتحدي وأمل.

وتواصلت بعد ذلك المعارض التي أقامها رستم آغالة سواءً في كردستان أم خارجه، حيث أقام معارض شخصية في باريس، ألمانيا والكويت فضلاً عن أخرى مشتركة في دول أوربية أخرى. ونال الجائزة الأولى في معرض فوتوغرافي بإيطاليا عام 2002 بعنوان (الصور والوثائق الكردية). والجائزة الأولى أيضاً عن مشاركته في معرض أقامته منظمة الصليب الأحمر الدولي في أربيل عام 2004.

ونظم معرض شخصي في السليمانية عام 2016 وآخر عام 2024، وأسهم، خلال تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، في تصميم معرض «فوتو رفيق» الذي ضم 110 لوحة من أعمال أول مصور فوتوغرافي في السليمانية هو محمود أفندي الرسام وابنه رفيق.

وصدر له كتالوج من وزارة الثقافة الكردستانية عام 2005، ومجموعة أعمال كاملة من   Aras Publishing  في عام 2007.

ووفاء منه لمسقط رأسه، بادر رستم آغالة بافتتاح أول متحف شخصي للفن المعاصر في كردستان، بمبنى مستوحى من العمارة المحلية التقليدية على مساحة 650 م² عام 2018، ما يزال موجوداً إلى الآن، يتضمن مجموعة من أعماله وأعمال فنانين كورد وعرب آخرين منهم عثمان قادر، وضاح المهدي، نعمان ستار، فاخر محمد، دارا حمه سعيد، ناز عبد الله وغيرهم

ويدعو التشكيلي رستم آغالة، لإقامة متحف كردستاني للفن الحديث لتجميع الفنانين الكرد وإقامة معارض دورية تنعش الحركة الفنية في الإقليم، وتسهم بنقلها للعالمية، واستقطاب الجمهور الذي «ما يزال لا يهتم بالفن بما يكفي»، بحسب رأيه.

 

 

 

 

 


مشاهدات 68
أضيف 2025/12/23 - 5:13 PM
آخر تحديث 2025/12/24 - 1:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 68 الشهر 17589 الكلي 13001494
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير