الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حكومة العراق المقبلة: معضلة السيادة بين الضغط الأمريكي والهيمنة الإيرانية

بواسطة azzaman

حكومة العراق المقبلة: معضلة السيادة بين الضغط الأمريكي والهيمنة الإيرانية

ادهم ابراهيم

 

تشهد أروقة السياسة العراقية هذه الأيام حراكاً مكثفاً ومشاورات متواصلة لرسم ملامح الحكومة الجديدة، في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 نوفمبر، وسط بيئة إقليمية ودولية شديدة التعقيد. فالعراق، كما في كل استحقاق سياسي مفصلي، يجد نفسه مجدداً عالقاً بين الضغط الأمريكي والنفوذ الإيراني، في لحظة تاريخية تتسم بعدم الاستقرار الإقليمي، واحتمالات التصعيد العسكري، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والبيئية.

لطالما حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة تحقيق توازن هش بين واشنطن وطهران، مع إتاحة هامش محدود لتأثير أطراف إقليمية أخرى أقل وزناً. غير أن تشكيل الحكومة المقبلة لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لما تواجهه منطقة الشرق الأوسط من تحولات عميقة، حيث تتداخل الحسابات الأمنية مع المصالح الاقتصادية، وتتصارع المحاور على حساب الدول الضعيفة سيادياً.

من منظور إيراني، هناك “خطوط حمراء” تتوقع طهران من بغداد احترامها، في مقدمتها عدم الانخراط في أي تحالف عدائي مع سياسة العقوبات الأمريكية، وعدم السماح باستخدام الأراضي العراقية في أي عمل عسكري إسرائيلي أو أمريكي ضدها .

 وتميل إيران إلى إبداء مرونة تكتيكية في ملف تشكيل الحكومة العراقية، مقابل ضمان استمرار التدفقات المالية والعلاقات الاقتصادية التي تمثل شرياناً حيوياً لها في ظل العقوبات.

 

ضمن هذا الإطار، تسعى إيران إلى الإبقاء على الميليشيات والفصائل الولائية في مواقعها السياسية والاقتصادية، وتواصل النظر إلى العراق بوصفه عمقاً استراتيجياً

يخفف من وطأة العزلة الدولية المفروضة عليها، وساحة نفوذ مركزية، ليس فقط عبر العلاقات الرسمية، بل من خلال الفصائل الموالية لها .

في المقابل، تتخذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر صراحة وحدّة. فقد صرّح القائم بأعمال السفير الأمريكي في بغداد بأن “الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات عاجلة لتفكيك الجماعات الميليشياوية المدعومة من الخارج، والتي تقوّض سيادة العراق والشراكة القوية مع الولايات المتحدة”. وأضاف أن اختيار شكل الحكومة العراقية قرار عراقي، “لكن كيفية تعامل الولايات المتحدة معها هو قرار أمريكي”، مؤكداً أن إشراك الميليشيات الخاضعة لأجندات خارجية في الحكومة المقبلة يتعارض مع أي شراكة حقيقية بين البلدين.

ويعكس قرار السلطات العراقية، ثم تراجعها السريع، عن إدراج حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين على قائمة المنظمات الإرهابية، حجم المأزق الذي يعيشه النظام السياسي العراقي، الواقع تحت ضغوط متناقضة من واشنطن وطهران. وهو مثال صارخ على محدودية هامش المناورة المتاح لبغداد في ظل هذا الاستقطاب الحاد.

السؤال المركزي الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستعيد بغداد قرارها السيادي؟

يدرك القادة العراقيون جيداً ما يتوافق وما لا يتوافق مع شراكة قوية مع الولايات المتحدة، لكنهم يدركون أيضاً كلفة الصدام مع إيران. لذلك تضغط واشنطن بشدة لتضييق الخناق على شبكات إيران بالوكالة، من خلال تصنيفات إرهابية جديدة، وعقوبات، وخطاب دبلوماسي صارم يطالب بنزع سلاح الجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

 

وفي تطور مفاجئ ، استجابت

بعض قيادات الفصـ.ـائل للتهديدات الأمريكية واعلنت نزع اسلحتها  ودعت الى حصر السلاح بيد الدولة 

 

وفي هذا السياق، لا يمكن فصل اختيار رئيس الوزراء المقبل عن ضرورة كسب ودّ واشنطن. وهو أمر قد تغضّ إيران الطرف عنه، إذا ما رأت في رئيس الحكومة جسراً محتملاً بينها وبين الولايات المتحدة والعالم العربي. وهنا تتجلى براغماتية طهران، في التخلي عن عقيدتها المعلنة امام الواقعية السياسية.

 

تشير بعض الإحصاءات إلى أن مرشحي الميليشيات يمتلكون أكثر من خمسين مقعداً في البرلمان، ما يدل على استمرار فاعليتهم السياسية رغم مقاطعة التيار الصدري. ومع ذلك، فإن التنافس الأمريكي–الإيراني مرشح للاشتداد مستقبلاً، خاصة مع طرح ملف الحشد الشعبي ، بوصفه ساحة تتقاطع فيها جميع خيوط الصراع ، رغم قيام بعض الفصائل بنزع سلاحها طوعا .

 

وعلى العموم، تبدو غالبية الطبقة السياسية العراقية مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة لواشنطن مقابل ضمان بقائها في السلطة، وهو هدف يتقدم عملياً على كل الشعارات والمبادئ !! 

وبينما يناقش قادة “الإطار” أسماء المرشحين لرئاسة الوزراء، يبدو القرار واضحاً: رئيس الحكومة المقبل سيعمل وفق سياسة الإرضاءات أكثر من العمل الجاد على تطوير الدولة.

 

إن ما يحتاجه العراق اليوم ليس الانتقال من محور إلى محور، بل الانتقال من اللادولة إلى الدولة، ومن التبعية إلى السيادة الحقيقية. كما أن المرحلة المقبلة لا تتيح تكرار سيناريو تعطيل الدستور أو الذهاب إلى “الثلث المعطل” كما في دورات سابقة. وسيواجه رئيس الوزراء الجديد اختبارات صعبة، لا سيما إذا لم يستجب للمطالب الأمريكية المعلنة، إذ سيصطدم بغضب واشنطن .

 

كثير من العراقيين يرون في انتخابات 2025 تذكيراً مؤلماً بأن آليات الديمقراطية، رغم وجودها، لم تنجح بعد في تحقيق التغيير المنشود. فاستمرار هيمنة الأحزاب التقليدية، وتغلغل شبكات المحسوبية، يعكسان نظاماً سياسياً راكداً لا يرغب بالتحول. ومع ذلك، فإن بقاء هذا الواقع ليس قدراً محتوماً، إذ ما زالت ظلال انتفاضة تشرين/أكتوبر 2019 حاضرة في الوعي الجمعي، بوصفها تذكيراً دائماً بأن المجتمع سبق السياسة في المطالبة بالدولة، وأن لحظة التغيير، وإن تأخرت، لم تُغلق أبوابها بعد.

ادهم ابراهيم

 

حكومة العراق المقبلة: معضلة السيادة بين الضغط الأمريكي والهيمنة الإيرانية

ادهم ابراهيم

تشهد أروقة السياسة العراقية هذه الأيام حراكاً مكثفاً ومشاورات متواصلة لرسم ملامح الحكومة الجديدة، في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 نوفمبر، وسط بيئة إقليمية ودولية شديدة التعقيد. فالعراق، كما في كل استحقاق سياسي مفصلي، يجد نفسه مجدداً عالقاً بين الضغط الأمريكي والنفوذ الإيراني، في لحظة تاريخية تتسم بعدم الاستقرار الإقليمي، واحتمالات التصعيد العسكري، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والبيئية.

لطالما حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة تحقيق توازن هش بين واشنطن وطهران، مع إتاحة هامش محدود لتأثير أطراف إقليمية أخرى أقل وزناً. غير أن تشكيل الحكومة المقبلة لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لما تواجهه منطقة الشرق الأوسط من تحولات عميقة، حيث تتداخل الحسابات الأمنية مع المصالح الاقتصادية، وتتصارع المحاور على حساب الدول الضعيفة سيادياً.

من منظور إيراني، هناك “خطوط حمراء” تتوقع طهران من بغداد احترامها، في مقدمتها عدم الانخراط في أي تحالف عدائي مع سياسة العقوبات الأمريكية، وعدم السماح باستخدام الأراضي العراقية في أي عمل عسكري إسرائيلي أو أمريكي ضدها .

وتميل إيران إلى إبداء مرونة تكتيكية في ملف تشكيل الحكومة العراقية، مقابل ضمان استمرار التدفقات المالية والعلاقات الاقتصادية التي تمثل شرياناً حيوياً لها في ظل العقوبات.

ضمن هذا الإطار، تسعى إيران إلى الإبقاء على الميليشيات والفصائل الولائية في مواقعها السياسية والاقتصادية، وتواصل النظر إلى العراق بوصفه عمقاً استراتيجياً

يخفف من وطأة العزلة الدولية المفروضة عليها، وساحة نفوذ مركزية، ليس فقط عبر العلاقات الرسمية، بل من خلال الفصائل الموالية لها .

في المقابل، تتخذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر صراحة وحدّة. فقد صرّح القائم بأعمال السفير الأمريكي في بغداد بأن “الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات عاجلة لتفكيك الجماعات الميليشياوية المدعومة من الخارج، والتي تقوّض سيادة العراق والشراكة القوية مع الولايات المتحدة”. وأضاف أن اختيار شكل الحكومة العراقية قرار عراقي، “لكن كيفية تعامل الولايات المتحدة معها هو قرار أمريكي”، مؤكداً أن إشراك الميليشيات الخاضعة لأجندات خارجية في الحكومة المقبلة يتعارض مع أي شراكة حقيقية بين البلدين.

ويعكس قرار السلطات العراقية، ثم تراجعها السريع، عن إدراج حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين على قائمة المنظمات الإرهابية، حجم المأزق الذي يعيشه النظام السياسي العراقي، الواقع تحت ضغوط متناقضة من واشنطن وطهران. وهو مثال صارخ على محدودية هامش المناورة المتاح لبغداد في ظل هذا الاستقطاب الحاد.

السؤال المركزي الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستعيد بغداد قرارها السيادي؟

يدرك القادة العراقيون جيداً ما يتوافق وما لا يتوافق مع شراكة قوية مع الولايات المتحدة، لكنهم يدركون أيضاً كلفة الصدام مع إيران. لذلك تضغط واشنطن بشدة لتضييق الخناق على شبكات إيران بالوكالة، من خلال تصنيفات إرهابية جديدة، وعقوبات، وخطاب دبلوماسي صارم يطالب بنزع سلاح الجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

وفي تطور مفاجئ ، استجابت

بعض قيادات الفصـ.ـائل للتهديدات الأمريكية واعلنت نزع اسلحتها  ودعت الى حصر السلاح بيد الدولة

وفي هذا السياق، لا يمكن فصل اختيار رئيس الوزراء المقبل عن ضرورة كسب ودّ واشنطن. وهو أمر قد تغضّ إيران الطرف عنه، إذا ما رأت في رئيس الحكومة جسراً محتملاً بينها وبين الولايات المتحدة والعالم العربي. وهنا تتجلى براغماتية طهران، في التخلي عن عقيدتها المعلنة امام الواقعية السياسية.

تشير بعض الإحصاءات إلى أن مرشحي الميليشيات يمتلكون أكثر من خمسين مقعداً في البرلمان، ما يدل على استمرار فاعليتهم السياسية رغم مقاطعة التيار الصدري. ومع ذلك، فإن التنافس الأمريكي–الإيراني مرشح للاشتداد مستقبلاً، خاصة مع طرح ملف الحشد الشعبي ، بوصفه ساحة تتقاطع فيها جميع خيوط الصراع ، رغم قيام بعض الفصائل بنزع سلاحها طوعا .

وعلى العموم، تبدو غالبية الطبقة السياسية العراقية مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة لواشنطن مقابل ضمان بقائها في السلطة، وهو هدف يتقدم عملياً على كل الشعارات والمبادئ !!

وبينما يناقش قادة “الإطار” أسماء المرشحين لرئاسة الوزراء، يبدو القرار واضحاً: رئيس الحكومة المقبل سيعمل وفق سياسة الإرضاءات أكثر من العمل الجاد على تطوير الدولة.

إن ما يحتاجه العراق اليوم ليس الانتقال من محور إلى محور، بل الانتقال من اللادولة إلى الدولة، ومن التبعية إلى السيادة الحقيقية. كما أن المرحلة المقبلة لا تتيح تكرار سيناريو تعطيل الدستور أو الذهاب إلى “الثلث المعطل” كما في دورات سابقة. وسيواجه رئيس الوزراء الجديد اختبارات صعبة، لا سيما إذا لم يستجب للمطالب الأمريكية المعلنة، إذ سيصطدم بغضب واشنطن .

كثير من العراقيين يرون في انتخابات 2025 تذكيراً مؤلماً بأن آليات الديمقراطية، رغم وجودها، لم تنجح بعد في تحقيق التغيير المنشود. فاستمرار هيمنة الأحزاب التقليدية، وتغلغل شبكات المحسوبية، يعكسان نظاماً سياسياً راكداً لا يرغب بالتحول. ومع ذلك، فإن بقاء هذا الواقع ليس قدراً محتوماً، إذ ما زالت ظلال انتفاضة تشرين/أكتوبر 2019 حاضرة في الوعي الجمعي، بوصفها تذكيراً دائماً بأن المجتمع سبق السياسة في المطالبة بالدولة، وأن لحظة التغيير، وإن تأخرت، لم تُغلق أبوابها بعد.

 


مشاهدات 57
الكاتب ادهم ابراهيم
أضيف 2025/12/22 - 4:32 PM
آخر تحديث 2025/12/22 - 11:27 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 812 الشهر 16728 الكلي 13000633
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير