الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الضاد بين التهميش والخلود: لغتنا التي نفتقدها

بواسطة azzaman

الضاد بين التهميش والخلود: لغتنا التي نفتقدها

هدير الجبوري

 

في احد مقالاته الاخيرة في عموده اليومي (توقيع) بصحيفة الزمان الدولية  والتي حملت عنوان

 ( لغتنا التي نخجل منها) والمتزامنة مع اليوم العالمي للغة العربية، يتوقف الدكتور فاتح عبد السلام عند مفارقة موجعة:

 ان اللغة العربية، بوصفها جوهر الهوية وعمود الثقافة ومخزون الذاكرة الجماعية، لا تحظى بالاهتمام الذي يليق بها من ابنائها قبل غيرهم. فبينما تتزين الشوارع والمدارس ببعض الشعارات الاحتفالية، ويظهر بعض الاهتمام الإعلامي المؤقت، تبقى اللغة العربية في الواقع ضحية التهميش شبه اليومي، وكأنها رمزية لحظة لممارسة يومية مستمرة.

يلتقط الكاتب بوعي عميق مشهد الاهمال الثقافي الذي يرافق هذه المناسبة، حيث يعلو الصوت يوماً ثم يخفت سريعاً، وكأن الضاد تستدعى للاحتفاء الرمزي لا للممارسة اليومية. فالأمر ليس مجرد غياب مناسبة أو احتفال، بل غياب رؤية شاملة ومشروع ثقافي متكامل يعمل طوال العام على ترسيخ العلاقة الحية بين الانسان ولغته، ويجعل من العربية أداة حقيقية للتفكير والتعبير والابتكار. فاللغة، بحسب الدكتور فاتح عبد السلام، ليست مجرد كلمات وأحرف، بل هي وعاء الذاكرة التاريخية والجسر الذي يصل الإنسان بموروثه وحاضره ومستقبله.

ويضع المقال أصبعه على موضع الخلل حين يشير الى هشاشة التنسيق بين مؤسسات يفترض ان تكون حارسة للغة: الجامعات، المجامع العلمية، واجهزة الاعلام، وهو خلل ينعكس مباشرة على حضور العربية في الفضاء العام، وفي الصناعة والتجارة، حيث تقصى لغتنا طوعاً في كثير من المعاملات الرسمية والإعلانية، بينما تفعل الامم الاخرى العكس تماما.

هذا التهميش المؤسسي يعكس عدم وجود استراتيجية حقيقية لتطوير اللغة ونشرها، ويؤكد ان العربية لم تعد تحتل المكانة التي تستحقها بين اللغات العالمية، رغم ثراء محتواها وعمق قواعدها وقدرتها الفائقة على الاشتقاق والتوليد.

ويبلغ النص ذروته حين يطرح سؤالا صادما في بساطته: لماذا يخجل العربي من لغته؟ سؤال يبدو بسيطا، لكنه يكشف تراكم عقد ثقافية واجتماعية جعلت العربية تعامل بوصفها لغة داخلية، محصورة في جدران المدرسة والمنزل، لا لغة عالمية يفاخر بها مستخدموها. فالعربية، رغم انها من اكثر لغات العالم انتشارا وثراء وقدرة على التعبير الدقيق في مختلف المجالات، تعاني من نقص في حضورها الإعلامي والأكاديمي والتقني، وهو ما يضعها أمام تحديات مستمرة في عصر العولمة والانفتاح الرقمي.

ولا يغفل المقال عن الاشارة الى ان المعركة الحقيقية تبدأ من المدرسة، حيث تصنع المحبة الاولى للغة أو تقبر. فاهمال اعداد معلمي العربية، وعدم تطوير أدواتهم المعرفية والتربوية، لا يفضي الا الى اجيال تتعامل مع لغتها ببرود، لا باعتزاز وانتماء. فالمعلمون هم حجر الزاوية في أي مشروع لغوي، والطفل الذي ينشأ على احترام لغته وحبها سيحمل هذا الحب الى المجتمع، بينما غياب هذه الثقافة يولد جيلًا يهرب من لغته، أو يستخدمها بالحد الأدنى، وكأنها عبء ثقيل لا روح فيه.

ان ما يطرحه الدكتور فاتح عبد السلام ليس رثاء للضاد، بل دعوة هادئة وحازمة لاعادتها الى قلب الفعل الثقافي والاجتماعي، لا كرمز تراثي يحتفل به مرة في السنة، بل كهوية حية تصان بالعمل المستمر والممارسة اليومية. اللغة العربية بحاجة الى مشروع وطني واعٍ، يربط بين المؤسسات الرسمية والمدارس والمجتمع المدني والإعلام، ليصبح حضورها واقعا ملموسا لا شعاراً مؤقتاً..

في يوم الضاد، وربما في كل الايام، يبقى السؤال معلقا:

هل نريد لغة نحتفي بها… ام لغة نعيش بها؟

وهنا يكمن التحدي: ان نحول الاحتفاء الرمزي الى ممارسة دائمة، وان نعيد للعربية مكانتها الطبيعية في حياة الانسان اليومية، لغة تفكير وفن وابداع، لا مجرد ذكرى موسمية. فحين تهمل الضاد، تهمل ذاكرتنا، وحين نعيد لها الحياة، نعيد للهوية العربية مجدها وعراقتها، ونعيد للإنسان ذاته القدرة على التعبير عن ذاته بعمق وصدق


مشاهدات 82
الكاتب هدير الجبوري
أضيف 2025/12/22 - 4:35 PM
آخر تحديث 2025/12/22 - 11:29 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 813 الشهر 16729 الكلي 13000634
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير