محمد الخشالي.. حارس مقهى الشاهبندر ورمز بغداد الحضارة
برهم صالح
بغصة في القلب وحزن عميق، ودعنا السيد محمد الخشالي، صاحب مقهى الشاهبندر، الذي كان أحد أعمدة الثقافة البغدادية، وأحد حراس روحها الأصيلة. لقد مثل الخشالي صورة مشرقة للإنسان البغدادي، الذي يجمع بين الأصالة والكرم وحب العلم والثقافة، وكان مقهاه ملاذا لكل من عشق بغداد واحتضنته بعبق تراثها.
مقهى الشاهبندر لم يكن مجرد مكان لتجمع المثقفين، بل كان رمزا لإرث حضاري يمتد لعقود طويلة. هنا كانت تكتب الحكايات، وتناقش الأفكار، ويتلاقى محبو الكتب وأصحاب القلم. في كل زاوية من زواياه عبق تاريخ بغداد العريق، وفي كل طاولة حكايةٌ عن روح هذه المدينة، التي كانت وما زالت منارة للحضارة والمدنية.
شارع المتنبي، الذي يحتضن هذا المقهى، هو القلب الثقافي النابض لبغداد، والشاهد على عراقتها ورقيها. ورغم ما تعرض له هذا المعلم مما حاول الإرهاب والتطرف طمسه، ظل صامدا. تفجير 2007 كان جرحا عميقا، لكنه لم يسكت صوت المتنبي، بل أعاده أقوى وأجمل، بفضل إرادة أهل بغداد الذين أبوا إلا أن يعيدوا إليه الحياة.
لقد كان لي شرف زيارة مقهى الشاهبندر في فترة إعادة البناء في أعقاب التفجير الإرهابي، متابعا للعمارة، وكذلك في رئاستي للجمهورية. وكانت لقاءاتي مع السيد محمد الخشالي تعكس روح التبغدد الحقيقية: ترحيبٌ دافئٌ، وحكاياتٌ نابضةٌ، وعزيمةٌ لا تنكسر. كان مقهاه أشبه بمتحف حي، يوثق تفاصيل بغداد الثقافية والاجتماعية، ويثبت أن الحضارة لا تقهر مهما تكالبت عليها المحن.
برحيل محمد الخشالي، نفقد جزءا من روح بغداد وأحد رموز صمودها الثقافي، ولكن إرثه سيبقى خالدا في الشاهبندر، وفي ذاكرة كل من مر بشارع المتنبي واستنشق عبير الكتب وعبق التاريخ. رحم الله الخشالي، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ذكراه منارة نستمد منها حبنا لبغداد، التي ستبقى عصية على الإرهاب والاستبداد، شامخة بحضارتها وإرثها العريق.