ذكرت والدتي كثيراً
عبد المحسن عباس الوائلي
لا ولن أنسى والدتي من الذكر وزاد ذكري لها عند رحيل والدي فأصبحت يتيماً وانا في عمر ما يزيد على الستين عاماً فأخلوا لنفسي وابكي بمرارة لا مثيل لها وخاصة هذه الايام التي تخطى عمري فيها السبعين عاما واصابتني امراض عدة واحس أنني سأفارق الحياة الدنيا ولم أعد للأخرة شيء ولكن أملي برحمة ربي التي وسعت كل شيء، لذا أقول، تتضاءل الكلمات امامك خجلاً، لأنه لا توجد فيها كلمة توفيك حقك ابداً لا والله..
اتوسل ذاكرتي كي تجود عليّ لعلها تمدني ولو بكلمة تعبر عما في قلبي تجاهك، لكن الذاكرة تخذلني وتعرب من ملاحقتي، أماه، في قلبي اطنان واطنان من مشاعر الحب والعرفان والامتنان والشكر، وحتى هذه الجملة الصماء لم تستطع مع الاسف التعبير عما أحمله لك في قلبي.
اماه، اكتب لك هذه الكلمات المتواضعة، لأقول لك أنني اغرق في بحر جميلك، هذا الجميل الذي يخرسني ويعقد لساني، هذا الجميل الذي لن استطيع رده في يوم من الأيام، فمهما فعلت ومهما قلت، فلن يساوي شيئاً بجانب محيط عطائك الواسع.. ولكنك غادرت سريعاً.
أماه، لن اقول انك حملت وربيت وارضعت وسهرت وتعبت وتحملت من أجلنا الكثير الكثير، وتخليت عن رغبات كثيرة لتحققي لنا رغباتنا، فهناك امهاك كثيرات يفعلن الشيء نفسه، ولكنك مميزة ومختلفة عن كل الامهات، فما قدمتيه لنا اكثر من ذلك لا يمكن احصاؤه ابداً، لقد علمتينا أهم دروس الحياة، وعلمتينا معنى الحياة تماماً كما اعطيتينا أصل الحياة، ولم تكتفي بذلك، بل كنت لنا شمعة تحترق لتنير لنا دروب الحياة.
أخاف من أمي كثيراً، ليس لعصيبة فيها أو تسلط، أنما اخاف من شيئين فيها غضبها واحلامها، ولعل الأخيرة ترعبني أكثر، فكم مرة بت أخفي عنها سراً فتفاجئني صباحا وهي تروي لي حلما رأته في منامها، وليس الحلم في حقيقته سوى تفاصيل اسراري الصغيرة والكبيرة، فأحاول أن أخفي عنها ما يعتلج في صدري من مشاعر الخوف والدهشة وأطمئنها بقولي، اضغاث احلام، وانا أعلم أن قلبها دليلها، وأخاف من غضبها أيضا، فما من مرة اغضبتها فيها الا وقد اصابني بلاء.. وتوالت الازمات والمعوقات عليّ، حتى اهرع الى رأسها ويديها اقبلهما حتى ترضى، فترضى وتتلاشى كل الازمات التي اشتدت حولي وظننت انها لن تفرج.
هذه حقيقة اسوقها لا من باب الدعاية كما قد يعتقد البعض، لكنها تجارب واقعية وعملية فسبحان الخالق عزّ وجل الذي أمرنا بطاعة الوالدين وبرهم وخفض الجناح لهم.. اللهم اجعلنا من البرارين لوالدينا.. وارحمنا برحمتك فأنت من كتب الرحمة على نفسه.