صخب الاحتكاك والتدافع في المأدُبات .. العلّة والحل
حيدر صبي
بداية لأضعكم داخل الصورة كيما نقترب اكثر لفهم هذه الظاهرة التي يكاد المجتمع العراقي ينفرد بها دونما باقي المجتمعات العربية ، وهي ( النزاع في المأدُبات بشتى انواعها - نذور ام مناسبات اجتماعية - موائد طعام لمناسبات الزيارات الدينية ) .. ما يبدو ان كل مأدبة يُصيبها تَجَمهُرٌ كبير دون وضع تفصيلات النظام اي ان تكون ( عشوائية ) ما يُصَعّب على الجمهور المتعطش الإنقضاض على الطعام والوصول اليه بشكل سلس ، حينها نشاهد النفس التي تملّكتها شهوة الجوع اي ال ( جائعة للطعام ) قد تحولت ودون ارادة الى نفس ( جائعة للغلبة - نزاع الضد النوعي )، بمعنى ابسط، ( الصراع من اجل الحصول على الطعام سيُنشّط بشكل مفاجيء سمة الآنا داخل النفس البشرية فتنتفض لاشعوريا الى مستويات قياسية يكون من الصعوبة بمكان للشخص الذي لاتصل يده لآنية الطعام ان يسيطر عليها ، خصوصا ان كان احد اصدقائه قد تحصّلها قبله ، فينتابه شعور بالضعف والنقص والهوان فيقارن بلحاظها ذاته مع ذات الآخر الذي فاقه ذكاء او حظاً او دهاءً فنال الجائزة ، وحتى يُثبْتَ ذاته ، ينقضّ بجسمه بكل ما أوتي من قوة ليتدافع مع من يقف امامه حتى ليصل الاحتكاك فيما بينه والآخرين لتزاحم مكتض ميّال للعنف فيحدث ان ينفجر احدهم دون تحمّل اكثر وهنا ينشب الشجار بينه وبينه او بينه وبينهم وفيما هناك اخوة واقارب او اصدقاء فتتحول المأدبة الى ساحة صراع ، وفيما سقط احدهم مضرّجاً بدمه لكم ساعتها تخيل المشهد وقد وصل الى مرحلة " الفصل العشائري " !! .
كيف نقضي على هذه الظاهرة ؟
لا هناك من حل ، اذ مازالت ( تفلت - بصقة ) سيد زرويد فيها شفاء الناس ، وعلوية خضروات تقضي حاجة المحتاج من المزارعين .. وسيد عمود يكتب السلامة للسائقين ، وسيد گيزر ينظف الجسد من الذنوب ، وسيد بريمز يشعل جذوة الإيمان بالنفوس ، وان ابناء الحسن يتناسلون في كل سنة ، فنسمع ونشاهد اضرحة جديدة تشيد ، بأسماء ( لم تكن قد ظهرت الا بعد الغزو الامريكي للعراق ) ؟ .. هذه وكم البدع التي تخرج علينا مع كل موسم ( حزن او فرح لآل بيت النبي ) إرصفوها مع مثيلاتها مما ذكرنا من صورٍ مقرفة فتكون النتيجة اننا اطحنا بكل المفاهيم العقلية واحلاناها ا الى اعتقادات بائسة آسها الخرافة وجوهرها الدجل وأسلوبها الأكاذيب ، فعمّ الجهل واستشرت الغيبيات وزاد الفساد غبطة وطفت الفتن فوق رؤوس الأشهاد .. وما السبيل ؟  نحتاج اليوم الى ما يشبه المعجزة لننهي هذه المهازل التي جعلت من العراقيين محط سخرية عند بقية شعوب العالم الاسلامي والغربي ، وكي نزيدالوعي عند المجتمع فعسى ان يشق خمار الافكار الجامدة الرابضة بعقول البسطاء من العوام .. ويمكن لنا ان نقوّض الى حدّ مقبول من تلكم السلوكيات عبر ربما وفيما تحملت كل من المؤسسة الحكومية والمؤسسة الدينية ما عليها من واجبات .
الواجب الحكومي
وضع استراتيجية بخضمها ترسم الخطط والدراسات وانشاء معاهد بحثية تُدار من قبل مختصين لتربية النشئ الجديد .. تناط المهمة الى المختصين بعلم النفس، واصحاب الفكر والثقافة وايضا لابد وتغيير المناهج التعليمية ، ورفع كل ماهو محل تنافر وتنابز وفرقة بين المسلمين من المناهج التعليمية ، ثم قبلها لجم السنة المتحزبين من جميع الاحزاب وفيما أصرّوا على تأجيج الطائفية .
الواجب الديني
بث الوعي القيمي لدى رجال الدين ليرفعوا مؤخراتهم عن المنابر ويغادروا الضخ باتجاه تغييب العقول وتجهيلها ، وان فعلوا ولن يفعلوا فلن ننتهي من هكذا سلوكيات بل على العكس ستتفاقم وتشتد ضراوتها لتغزوا المجتمع اكثر من غزوتها الحالية حتى انك لتشاهد اليوم ( التشابيه والراب الحسيني والاستچلاب والزحف والتطيين والمشي على الزجاج والجمر وو .... الخ ، ومع كل هذا التردي الثقافي والنكوص القيمي نرى الصمت مطبق من المؤسسة الدينية ، بينما هي تعي ان الجمهور المُغيّب حينما لايُجابه باعتراض من قبلها ، يظنون انها أي المؤسسة الدينية تبارك لهم فعالهم وتترضّى عليها ، فيتمادون وتأخذهم العزة بالفخر لا الإثم ، وما هذا وتلك سوى البدايات للتهافت العقلي وهو دالة بعد هذا على انهيار القيم الدينية والاخلاقية لدى شيعة العراق ، اذ والحال هذه استمرت في السنوات القليلة القادمة .