الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما تشيخ الروح

بواسطة azzaman

عندما تشيخ الروح

نهلة الدراجي

 

بين ثنايا الأيام المتلاحقة، نقف أحياناً لنتأمل معنى الكِبر الحقيقي. ليس في تجاعيد الوجه يكمن سر شيخوخة الروح، ولا في تقويم يُعد أيامنا المنصرمة تكمن حقيقة عمرنا الحقيقي.. في مقالي هذا، أحملكم بين سطوري إلى تلك اللحظات الصامتة، حيث يتسلل الحزن خلسةً إلى دهاليز القلب، ليخبرنا أننا كبرنا قليلاً... كبرنا كثيراً....! نعم، نكبر حين تصبح ذكرياتنا أثقل من أحلامنا، وحين تغدو صور الراحلين في ألبوم الذاكرة أكثر من صور الباقين في حياتنا. نكبر حين نكتشف أن الصمت أحياناً أبلغ من الكلام، وأن الوحدة قد تكون أنيساً في عالم يضج بالضجيج الفارغ.. نحن نكبر حين تنهش الغربة أرواحنا، ليس غربة الجغرافيا، بل غربة القلوب....! نكبر حين نبحث عن كلمة حبّ عابرة، فلا نجدها، وحين يصبح الصدى هو الرفيق الوحيد لأحاديثنا. وحين تمتلئ أرفف ذاكرتنا بصورالأحبة الذين غادروا، تاركين خلفهم فراغًا لا يُملأ، وألمًا لا يُنسى.. نكبر حين تضيق المسافات مع العالم، وحين نفقد القدرة على الإمساك بيدٍ كانت يومًا ما سندًا لنا، وحين نصبح شهودًا على تساقط أوراق العلاقات التي ظنناها خالدة..  نكبر حين يصبح القرب بعيدًا، والبعد مستحيلًا، وحين يتحول الحنين إلى حجر ثقيل يخنقنا كلما استرجعنا الماضي.. نكبر حين نفهم أن الحياة ليست تلك القصص الجميلة التي كنا نؤمن بها في طفولتنا، بل هي مزيج من الخيبات والانتصارات، من الفقد والعثور، من الألم والأمل..وبين كل هذا وذاك، تبقى القلوب هي البوصلة الحقيقية لأعمارنا. فعندما تتعب من الخفقان بنفس الحماس، وعندما تفقد قدرتها على الدهشة والفرح العفوي، حينها فقط نعرف أننا قد كبرنا حقاً....!

ليست السنوات من تصنع شيخوخة الروح، بل تلك اللحظات الصغيرة التي نفقد فيها جزءاً من إيماننا بجمال الحياة. نكبر عندما تصبح الذكريات ملاذنا الوحيد، وعندما يصبح الحنين رفيق دربنا الأوفى.

وفي نهاية المطاف، ربما علينا أن نتقبل أن الكِبر ليس مجرد أرقام نضيفها إلى سجل أعمارنا، بل هو تلك التحولات العميقة التي تصيب أرواحنا، وتلك الدروس القاسية التي تعلمنا إياها الحياة في رحلتنا الطويلة.

فهل نملك القوة لنقاوم هذا الكِبر الخفي؟ هل نستطيع أن نعيد لأرواحنا وهجها، قبل أن ينطفئ تماماً؟ ربما يكمن الجواب في قدرتنا على التمسك بما تبقى من حبّ، بقايا دفء، وأمل يعيش في قلوبنا، مهما كان  صغيراً......!

فدعونا نعترف... نحن لا نكبر بالزمن، بل نكبر بما يسرقه الزمن منا....!

 

 


مشاهدات 59
الكاتب نهلة الدراجي
أضيف 2025/01/14 - 9:38 PM
آخر تحديث 2025/01/15 - 9:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 170 الشهر 6659 الكلي 10196624
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير