الآثار الروحية الكسنزانية في العصر الحديث
نوري جاسم
التصوف والعرفان الكسنزاني هو مسار روحي يسعى إلى تحقيق القرب من الله سبحانه وتعالى من خلال بركة نور الذكر، وأتباع المعلم ( الولي المرشد ) والزهد ( الماديات تملكها ولا تملكك ) ( رؤيا كسنزانية) والتفكر في خلق السماوات والأرض وما فيهما، وإصلاح النفوس البشرية عبر سلسلة الأنفس السبعة كما يذكرها أهل الطريقة والسلوك المحمدي فتبدء تدريجيا من نفس ( إمارة إلى لوامة فملهمة فمطمئنة، فراضية ومرضية فكاملة ) .
تجديد روحي
تتدرج عمليات الإصلاح والتجديد الروحي الصوفي والعرفاني الكسنزاني، عبر رحلة النور والإحسان عبر قناطر الفناء الثلاثة ( الفناء في المعلم المربي الوارث المحمدي، والفناء في النور المحمدي سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، والفناء في الله سبحانه وتعالى ) وهنا يوضح السيد الشيخ شمس الدين محمد نهرو الكسنزان القادري الحسيني ( قدس سره ) حالة الفناء هذه بقوله ( تبدء عند المريد الذاكر الصادق المرابط بحالة الانغماس والرابطة الروحية مع قلب الأستاذ الذي تشبع بأنوار الذكر بأسماء الله جل جلاله، التي تحقق بها استاذ ألطريقة وتملكها، وهذه ترفع المريد الذاكر بمراقي الإخلاص المتعلق قلبه بقلب الأستاذ ) وان العمل الصالح وخدمة المجتمع واجب على كل مريد كسنزاني بصدق وأمانة وإخلاص، وأن تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في كل مجالات الحياة العامة والخاصة هو أساس البناء الكسنزاني الشامل، ولهذا يقول الشيخ شمس الدين الكسنزان ( واجب على من يتولى أمر الناس أن يوفر لهم، سكن محترم، تعليم جيد، صحة وعلاج راقي، عيش كريم، فرص عمل، خدمة عامة، دولة مواطنة ) وهو يركز على بناء الإنسان بشكل متزامن مع بناء الجدران، وبناء صناعة وزراعة وطنية حقيقية مستقلة، وتطوير واقعي في شتى مجالات الحياة، وقد تميزت هذه الطريقة بمزجها بين الطموح والواقع ( نظري، عملي ) مما جعلها تجذب الكثير من الأتباع الذين يسعون إلى تحقيق التقوى ومراتب الإحسان ( إن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وفي العصر الحديث، انتشرت الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وآسيا الوسطى، وحتى في الغرب، وهذا الانتشار الواسع جعلها تؤثر بشكل كبير على المجتمعات التي تواجدت فيها، سواء من الناحية الروحية أو الاجتماعية، وقد تميزت الطريقة الكسنزانية بحرصها على الذكر الدائم، سواء كان ذلك في شكل مجالس الذكر الجماعية أو الذكر الفردي، وكذلك تعتبر الكسنزانية مدرسة للتربية الروحية، حيث يتعلم المريدون قيم الصبر، والتواضع، والإخلاص، والمحبة، ويتلقى المريدون هذه القيم الروحية والأخلاقية في مسارهم الروحي، ويؤمن أتباع الطريقة بحدوث تجليات روحية ونفحات إلهية خلال ممارساتهم الروحية، مما يعزز إيمانهم ويزيد من تعلقهم بالطريقة، وفي الطريقة الكسنزانية أثار اجتماعية فهي تمارس دوراً مهماً في تعزيز التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، حيث يتم تنظيم العديد من الأنشطة الاجتماعية والخيرية التي تهدف إلى مساعدة المحتاجين وتخفيف معاناة الفقراء.
تعزيز الحوار
وكذلك تسهم الطريقة الكسنزانية في تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان والمذاهب المختلفة، من خلال تشجيعها على التعايش السلمي واحترام الآخر، وتروج الطريقة الكسنزانية لقيم أخلاقية عالية مثل الصدق، والأمانة، والإحسان، مما يسهم في تحسين النسيج الأخلاقي للمجتمع، ولم تقف الطريقة العلية القادرية الكسنزانية عند حدود الأنشطة التقليدية، بل اندمجت مع العصر الرقمي من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لنشر تعاليمها، وهذه الخطوة ساعدت في الوصول إلى جيل الشباب ومن كلا الجنسين وكل طبقات المجتمع، وتستمر الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في لعب دور محوري في تعزيز الروحانية والقيم الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية والعالمية.
وتعمل على تثبيت حالة التوازن بين المادي والروحي، وتبقى الطريقة الكسنزانية منارة للأمل والتوجيه الروحي في العصر الحديث، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما...
- بغداد