مجلة الثقافة المغربية الصفيح الساخن
رشيد سكري
وأنا أقرأ الحوار الممتع ، الذي أجراه المحمدان بنيس و البكري مع العلامة عبد الله كنون ، وتفضلت مجلة الدوحة العربية بنشره في عددها السبعين .
استوقفتني ، خلاله ، علامتان أَسْنَتان ، شكلتا مدخلا أساسيا لتاريخ المغرب الثقافي في ثمانينيات من القرن الماضي .
أولى هتين العلامتين : نُشر الحوارُ ، أولا ، في مجلة الكرمل . و كان يديرها آنذاك الشاعر الفلسطيني محمود درويش ، ضمن ملف كبير حول الأدب المغربي وفنونِه . شمل ـ أي الملف ـ دهاقنة المغرب في الفكر و السياسة و العلوم و الفنون .
من أمثال : عبد الله إبراهيم في موضوع “ الحركة الوطنية والعمل الثقافي “ وعبد الله كنون عن “ التقليد والتجديد “ و محمد عابد الجابري بخصوص “ مسار كاتب“ و عبد الله العروي في “ الأفق الروائي “ .
فضلا عن تطرق الملف إلى الفكر الحداثي المغربي من خلال أهم رموزه وأقطابه ؛ عبد الكبير الخطيبي ، ومحمد عياد ، و عبد اللطيف اللعبي ، وأحمد الرضاوني ، ومحمد شبعة ، ومحمد القاسمي ، وأخيرا الشاعر محمد بنيس .
ثاني هتين العلامتين : يناير1984 هو زمن نشر الحوار في مجلة الكرمل.
كانت الثقافة المغربية ، آنذاك ، تشهد حراكا غير مسبوق ، عاش خلاله المثقفون أشكالا وألوانا من المضايقات و الإكراهات ، إلى حد مصادرة حق حرية التعبير .
أمام هذا الوضع المأزوم و الموبوء، كان المنع والحجز و التوقيف اللغة السائدة و المهيمنة ، التي يتقنها فصيل لا علاقة له بالثقافة لا من قريب و لا من بعيد .
وعلى إثر أحداث الدار البيضاء الدامية ، استصدرت أم الوزارات المغربية بيانا بتاريخ 4 يناير 1984 بتوقيف و إتلاف أعداد مجلة « الثقافة الجديدة « ، التي كان يديرها الشاعر محمد بنيس . مستهدفة العدد الواحد و الثلاثين منها ، علاوة على حجزها من السوق نسخ العدد السابق . وأمام ذيوع خبر التوقيف و المصادرة ، سارعت عدة منابر إعلامية إلى التنديد بهذا العمل الشنيع ، التي أقدمت عليه السلطات المغربية.
والذي اعتبر مسا خطيرا ، وتدخلا سافرا في حق حرية التعبير ، التي ناضل من أحلها المغاربة جميعا.
فبات من الواضح جدا ، أمام هيئة تحرير مجلة « الثقافة الجديدة « . أن يُمنع ، من الصدور ، العدد الواحد والثلاثون . فما كان للشاعر محمود درويش ، آنذاك ، إلا ان يقف إلى جانب الثقافة الجديدة ، مسجلا موقفا تاريخيا ، يحسب للشاعر خدمة للشعر و للشعراء و للثقافة الإنسانية ؛ عن طريق استضافة مجلة « الكرمل» لمجلة « الثقافة الجديدة « .
فعلا ، تم تصفيف مواد العدد الواحد و الثلاثين في نيقوسيا بقبرص . وبيعت منه أعدادٌ داخل المغرب و خارجه ، نفدت في زمن قياسي .
فالحوار ، الذي تم نشرته في مجلة الدوحة ، كان له مسار تاريخي شاق وصعب ، أمام التضييق الممنهج ، الذي يطال المسألة الثقافية العربية بعامة . ومنه ، كانت هذه واحدة من بين الحالات العديدة ، التي ترهِّل الجسد الثقافي العربي ، و تقزم من دور المفكرين والباحثين و الشعراء و الأدباء و الفنانين العرب على حد سواء ؛ ليظلوا بعيدين كل البعد عن بؤر الضوء . بما هي بؤر محاطة بأياد خبيثة ، تسرق سنا القمر .
والآن ، تعيش الثقافة المغربية ، انفراجا حقيقيا لاعتلائها عرش المجلات الأكثر مبيعا في المغرب ، كما أن للفعل السياسي و الحزبي دورا هاما في هذه الانتعاشة و الانتشار المنقطع النظير .
بالفعل؛ استطاعت مجلة الثقافة المغربية ، أن تمثل الهوية المغربية إبداعيا ، وذلك من خلال القصة والرواية و المسرح ، وفنون الإبداع جميعها ، فضلا عن انفتاحها على مختلف التجارب العربية و الغربية ، وذلك من خلال الحوارات ، التي تجريها مع كتاب و مسرحيين مرموقين داخل المغرب و خارجه .