محنة أرباب العقل النقدي
محمد رسن
غريب أمر عوام الناس، فهم بارعون بالتحايل على انفسهم، ينساقون وراء كل فكرة فارغة، أفراحهم مفتعلة، إيمانهم خادع، يتأرجحون ما بين الوهم والخيال، مايدعو للعجب امتلاكهم لهذه النرجسية الرثة، ونزعة الاستعلاء، والاحساس بالتفوق، وادعاءهم بانهم أصحاب الحقائق المطلقة، وفي ذات الوقت يسخرون من فيض معرفة الآخر المختلف، وشغفه في البحث عن الحقيقة، ولايعلمون إنهم فرائس للتفاهة والسطحية وببغاوات يرددون مايسمعون،
المؤمن ليس مبتلى، بل المبتلى من انسلخ من هذا القطيع، وألقى بنفسه في جب الوعي، المتأمل المتجرد من الصفات التي انتجها الخوض في العقل اليومي المركوس في وحل غايات الكائنات التي تعيش في الماضي، الكائنات المؤدلجة التي تعيش بألف قناع، وينهشها الجهل المقدس، الأتباع لايدركون ان اسيادهم الذين يدَعون انهم يتحدثون بأسم الرب يتستطيبون بآلامهم ويتستعذبون بعذابهم، وهي اي الجوقة تنعم بحياة الدهماء، حياة ترف ونعيم، لأنها ترتمي باحضان السلاطين، وتستهتر بحياة الاتباع، لتزجهم في أتون ودوامات الصراعات الطائفية والقبلية واحاديث الفرقة الناجية والمسرحيات السمچة والحكايات الميثيولوجية، حتى غدت شعوب كاملة في حالة من التفرد السلبي توقفت عن إستخدام عقلها، وإكتفت بأقوال دعاة التدين الزائف وارباب المولى الصالح دليلا ومنهجا، فضمر عقلها و إنتكست متحولة الي الدرجة الاسفل من سلم التطور، أما أللامنتمين أصحاب العقول النيرة الذين يسلطون الضوء على الحقائق المغيبة، دفعوا حياتهم ثمنا من أجل أن تعيش البشرية في ظل حياة عدالوية حرة، يسودها الأمن والأمان،يعيش فيها الفرد بكرامة تليق به كانسان، أبواب الجحيم على مصراعيها مفتوحة عليهم، بسبب وقوفهم بوجه الاسلام السياسي والمتأسلمين والمتعلمنين والسائد والمألوف والمتفق عليه،وكل الاعراف والتقاليد البالية والنصوص المتوحشة، وهم يكافحون بالعقل النقدي، والتفكير الملي بحقائق الأشياء بتجرد تام بعيدا عن الغايات والحاجات الانية، بحثا عن الحقيقة ووطن ترفرف في سمائه رايات الحب والسلام والوئام، مايدعوا للدهشة والخجل والحيرة حينما، ترى السهام والتهم الجاهزة موجهة لأرباب العقول النيرة،من الشعوب المقهورة قبل السلاطين، ومن العبيد والمضطهدين، معادلة غريبة والأغرب من ذلك أن الحياة بكل تفاصيلها غير عادلة معهم، فليس غريبا أن نجد المعري غريبا بين قومه ،والحلاج مصلوبا، ونصر حامد ابو زيد مطاردا، والقمني مقموعا، وقبلهم الأمام الحسين وابا ذر وزيد ابن علي والقائمة تطول، والويلات تطال اي مفكر تفرد بوعيه ونذر حياته ليصلب تاريخ الكوارث وينفي ذاكرة التشظي ويقصي مرتكزات الاستلاب ويرفض ادوار التبعية، كل من يحلم بوطن خال من سوط الطغاة، وعفن المتحللين وخور المنبطحين ووضع حدا لمجازر الأفكار والابدان، مصيره اما القتل أو النفي أو السجن.. غريب أمر هذا الوجود المقيت، لاعدل فيه، لم يترك أملاً بإرجاع الحياة للقضاء العادل الميت سريراً، ولم يترك مجالا للمنظومة السياسية أن تسير على سكتها الصحيحة، بل يبحث عن اي قيمة جمالية حتى يستأصلها، انه بحق زمن اختزال واختزان لكل عناوين التخريب والأرهاب والأفساد التي لم يعرف العراق لها نظيرا، ومالم نتدارك واقعنا بالتحليل والتغيير النوعي، فلن ندرك التحولات الحقيقة في بنيتنا وتجاربنا القادمة، واجبنا هو القراءة الواعية للذات، وتشخيص مكامن الخلل، والمبادرة للتغيير وفق مرتكزات جديدة وهادفة، لأننا لم نلمس إلا ماندر جهدا عراقيا حقيقيا يخطط لحالات التغيير التحتي والبنيوي المطلوب للذات العراقية،بما يوافق ويمهد لتحولات جذرية في طبيعتها وتطبيقاتها.