مشاهد الحزن ..
مهدي سهم الربيعي
الحزنُ ..
أن أعتادَ الغياب، وأتظاهر بأنّ الحضور لم يكن يوماً موجوداً..
أن أُغلقَ على قلبي، وأخشى أن يفتحَهُ أحد..
أن أبتسمَ للناس، بينما أتداعى كبيتٍ قديم..
الحزنُ ..
قصيدة لم تكتمل، تركتها على عتبة الريح، ذهبت ولم تعد..
حزن يداي الممدودتان نحو السراب، وظلّك البعيد الذي ..
لا يلتفت..
الحزنُ..
حكاية منسية ..
أرددُها بصمت، ولا يسمعُها سواي..
رعب يطاردني، حتى أمست كل الليالي خالية من الفرح ..
الحزنُ ..
أن أُشعل قناديل الأمل في عينيَّ، وتطفئها الظنون ..
أن أرتدي وجه الحبور كل صباح، وأُعلّقه عند المساء ،على رفوف مدامعي ليغتسل ..
الحزنُ ..
غيمةٌ عطشى، تُمطرني بالذكريات ..
يدٌ تمتد إلي في الحُلم، وحين أفتحُ عيني، لا أجدُ سوى الفراغ..
الحزنُ ..
أن أراك في وجوه العابرين، وأخدع نفسي بأنك ربما..
ربما عدت ..
أن يُناديني طيفُك في منتصفِ الليل، فألتفت ولا أجدُ إلا وحدتي..
الحزنُ ..
وحشٌ يجلسُ عند نافذتي، يحدّقُ في المدى، ولا يهجع ..
ساعةٌ متوقفة، تُعيدُني دائماً إلى اللحظةِ التي رحلت فيها..
وشتاءٌ طويل، لم أعد أبحثُ فيه عن الدفء
الحزنُ ..
أن أكتبَ اسمك على صفحةِ الماء، وآمل أن يبقى..
أن أفتحَ النافذةَ كلَّ صباح، عسى أن تحملَ الريح..
إليّ صوتك ..
الحزنُ ..
رائحةُ المطر حين يذكّرني بخطواتك القديمة..بللٌ وطين دون أثر..
أغنيةٌ تتسلّلُ صدفةً إلى مسامعي، فتأخذني إليك دون إذن..
موعدٌ مؤجلٌ مع الفرح، لم أعد أنتظرُه..
الحزنُ ..
كتابٌ طويت آخر صفحاته، لكنّ الحكايةَ لم تنتهِ بعد..
غصّةٌ في الحلق، لا ماءٌ يرويها، ولا كلماتٌ تفي المعنى ..
حزن صوتُك الذي لا يزالُ يسكنُ أذني، رغم صمت العالم من حولي..
الحزنُ ..
أن أتذكّرَ حديثَنا الأخير، وأدرك أنني لم أقل كلَّ ما في قلبي..
أن أبحثَ عنك في زحامِ الحياة، وأنا أعلم أنك لم تعد هنا..
الحزنُ ..
أن أشتاقَك ولا أجرؤَ على البوح..
أن أضحكَ بصوتٍ مرتفع، كي لا يسمعَ أحدٌ أصوات انكساراتي..
أن أُغلقَ بابَ قلبي، وأُلقي المفتاحَ في البحر، ثم أقف على الشاطئ أراقبُه يغرق..
الحزنُ ..
مرآةٌ تتّسعُ لكلِّ الأشياء، إلا وجهي كما كان قبلَ رحيلك ..
حزنُ طريقٌ أمشيه وحدي، وأقنعُ نفسي بأنني اخترتُه..
رسالةٌ بلا عنوان، أكتبها كلَّ ليلة، وأمزّقها في الصباح..
الحزنُ..
أن أفتحَ الأبواب ولا أحدَ يطرُقها..
أن أبحثَ عن صوتك بين الصدى، فلا أجدُ إلا فراغًا يعيدُ لي وجعي..
أن أختبئَ خلفَ الصمتِ، لأنّ الصراخ لن يُعيدَ الغائبين..
الحزنُ..
أن تُنادي فلا يُجيبك أحد، رغم امتلاءِ المكان..
أن تضحكَ بين الناس، وتبكي حين تُغلق الأضواء..
أن تحفظَ تفاصيلَ من تحبّ، رغم يقينك أنّه قد نسيك..
الحزنُ..
صورةٌ على الجدار ، يكسوها الغبارُ أكثرَ من الوقت..
نافذةٌ مفتوحةٌ للريح، لكنها لا تأتي بمن تنتظر..
خطواتٌ تعبرُ أمامَ بابك، لكنها لا تتوقّفُ عنده..
الحزنُ..
أن تحفظَ تفاصيلَ اللقاء، رغم أن الوداعَ كان أكثرَ وضوحًا..
أن تُطفئَ الشموعَ قبل أن تنتهي، لأنّك لم تَعُد تؤمنُ بالأمنيات..
حزنُ العيش في مدينةٍ مزدحمةٍ، وتشعرَ أنّك وحدك..
الحزنُ..
أن تسافر إلى أماكنَ قديمة، فتجدها فارغةً منك ومنهم..
أن تكتبَ ألفَ رسالة، ثم تمحوها، لأنّها لن تصل..
الحزنُ..
يدٌ تمتدُّ للعناق، لكنّها تعودُ خائبة ..
أن تتحدّثَ ولا أحدَ يسمعُ نبضَ صوتِك..
أن تنظرَ في وجهك ، ولا تجدَ في عينيك شيئًا يشبهُك..