نقطة ضوء
المعلم.. هناء أم شقاء؟
محمد صاحب سلطان
على الرغم من إشتغالي بالتدريس الجامعي بتخصص الصحافة والإعلام لسنوات طوال، وعشت في أحضان أسرة، غالبيتها تمتهن التعليم، مازلت أشعر بالتلمذة روحا وسلوكا!، برغم تشربي أجواء الأسرة التعليمية، وأعرف ما تعانيه ملاكاتها في مختلف المراحل الدراسية، الابتدائية والثانوية والجامعية، وما تقدمه من جهود في سبيل رفع شأن التعليم وبناء جيل المستقبل ،،لكن تبقى حلاوة العتبة الأولى، والخطوة الأولى، لها وقع الندى في النفوس، على الرغم من إنقضاء أكثر من ستة عقود عليها!، مازلت أتذكر حيطان مدرستي الابتدائية وسط مدينة العمارة، ودرس الإصطفاف الأول بساحتها الكبيرة، وعالم البهجة التي أحطنا بها، بملابسنا الجديدة وحقائبنا النسيجية المصنوعة بأيادي الامهات الطيبات- رحمهن الله- اللواتي مكثن خلف سور المدرسة، ينتظرن بلهفة وشوق لمعرفة، ماذا حصل في اليوم الدراسي الأول لإبنائهن، كون أغلبهن قد حرمن من التعليم، وهاهي الاستعاضة تكمن في الابناء.. وأول ما صافح أبصارنا الأستاذ حسن ،مدير المدرسة بخطواته السريعة وصوته الجهوري وهندامه المميز وعصاه التي يلوح بها يمينا وشمالا ! ،وخلفه رهط المعلمين الذين لا يقلون عنه أناقة وانضباط ، أتذكر جيدا،جل ما قاله وهو يدعوننا الى التكيف مع الحال الجديد، واكتساب التعلم والمعرفة،والتعود على الانضباط والالتزام واحترام الكبير، والاستئذان قبل التصرف، مثلما عرج الى تذكيرنا، بإن العلم نور والجهل ظلام، وإن أحوالنا وبلدنا، لن تتحسن أمورهما ما لم نتعلم، وان السلوك تربية، لذا تقدمت على التعليم في تسمية (وزارة التربية والتعليم).. وو الكثير من الإرشادات التي كانت غريبة على عقولنا الصغيرة!، لكن كانت (عين) المدير، أول مهارة إتصالية تعلمتها،فيما بعد من المختصين، فالعين يمكن أن تهدد،كما تهدد بندقية معبأة ومصوبة أو يمكن أن تهين كالركل والرفس!،أما إذا كانت نظرتها حانية ولطيفة، فإنه يمكنها بشعاع رقتها وعطفها ،ان تجعل القلب يخفق بكل بهجة!، وبهدف سلوكي يعلمك، كيف تستعمل صوتك بطريقة ثرية ملائمة، بإستعمال لغة واضحة، وأن يكون لديك، الثقة في نفسك للتكيف مع مختلف الظروف، كلام كبير وخارج مدركات عقولنا آنذاك، ولكننا حفظناه وأنطبع في تلافيف العقل الباطن،حتى أضحى عندي،الدرس الأول لمادة (مبادئ الاتصال) التي درستها لاحقا لطلبتي لاكثر من عقد قبل التقاعد!.
مناسبة هذا الحديث الاستذكاري، يعود للاجواء الاحتفالية التي نعيشها اليوم كشعب بعيد المعلم، للتعبير عن التقدير والامتنان للمعلمين بمختلف توصيفاتهم، على جهودهم وتضحياتهم في تعليم وتثقيف الاجيال ،كون المعلم رمزا للعلم والمعرفة ويمثل دورا اساسيا في بناء المجتمع وتقدمه، فهو المرشد والباني والملهم والراعي والصانع فضلا عن كونه النور الذي يضيئ حياة تلاميذه ويوجههم الى طريق الابداع، ناهيك عن كونه الفلاح الذي يزرع بذور المعرفة لنحصد أجيالا من العلماء والمفكرين، فهو الوحيد الذي تخضع له سلطة العلم وهي تتبعه لا يتبعها، وأظن إن كل ماقلته من مفردات لا تفي حقه في يوم عيده، وكل عام والمعلم الفاضل -وهذا ما نرجوه - يرفل بالعز والهناء، لا بالتعب والشقاء!..