كفتا الميزان قاسم وعبد الرحمن
خليل ابراهيم العبيدي
قد يستغرب البعض إثارتنا لهذا الموضوع بعد كل هذه السنين ، وما الداعي لكل ذاك التذكير والحنين على زعامات تعاقبت عليها الأيام والسنين ، نرد بدورنا قائلين لانها اصبحت بمثابة القياس في عفة النفس ونظافة اليدين ، والقياس قاعدة تستنبط وفقها الأحكام بحق المسيئين ، وبتقديرنا لا يعاني القاضي في احكامه إذا ما قارن بين تلك الزعامة وزعامة النظام السابق أو نظام ما بعد التغيير .
سادتي لم يكن الراحل عبد الكريم قاسم إلا نتاج تحسسه بواقع مجتمعه الفقير ، وقادة البعث تناسوا ماضيهم المرير ، واليوم لم يكن القادة من الاغنياء وانما كانوا من الفقراء المعدمين ، ولم يكن عارف إلا ضابطا متعففا سكن اليرموك كأي مواطن بسيط ، وقاسم سكن دار الأموال المجمدة يدفع ايجارها بالتقسيط، ، لم يسكن كلاههما الفلات والقصور ، ولم تكن لهم مواكب تمخر الشوارع وفي احياء بغداد تدور ، لم تقطع لهم الشوارع ولم تكن لهم حمايات ، لأحد يعرف أفراد أسرهم ولا احد يعرف اقاربهم ، لم يدر رأسهم وهم في السلطة ، بل ازدادوا بساطة وعفة ، كان قاسم يدفع من حسابه الخاص ثمن وجبة العشاء أثناء اجتماع مجلس الوزراء ، وينقل جاسم العزاوي ، وهو البعثي الذي كان معاديا في الباطن للزعيم ،، أن للزعيم بموجب النظام المحاسبي نثرية شهرية قدرها ( 40 دينار) لم يتصرف بها طيلة مدة حكمه إلا مرة واحدة ، إذ قام بتوزيعها على فرقة الموسيقى العسكرية في الكرنتينة صباح أحد الاعياد ( انظر جاسم العزاوي ثورة 14 تموز) ، ينقل عن العميد فاضل محمد علي المرافق الأقدم للرئيس عارف ، أن الرئيس عبد الرحمن عارف كان دوما ينظر إلى ساعته ويقول متى تحل الساعة الثانية ظهرا كي يذهب الموظف إلى داره لتناول وجبة الغداء ، ولم يكلف الدولة مصاريف الضيافة رغم إدراجها في ميزانية القصر الجمهوري ، هذه مقتطفات مما كتب عن الجنرالين ، أو ما نقل عن الرجلين ، وهما ضحية البعثيين ، واليوم يشترك ،، من في التشريع والتنفيذ بالاعتراف ،، أن الفساد ماض بلا رحمة وان البذخ بات لحد التخمة ، وان السرقات في الضؤ والعتمة ، وأن الزعامات واعية أن هذه المسالك ستؤدي إلى الانهيار وربما النقمة ، والحل ، يكمن ، في أن يعيد مجتمعنا النظر في أسباب الانحدار ، الزعامات ليست وحدها المسؤولة بل العائلة العشيرة المدرسة ، الكثير ينغمس في الفساد والكل حتى الفاسد ينتقد ما آلت إليه البلاد ، وما على القاضي إلا أن يأخذ بالقياس على سلوك الجنرالين في النزاهة والبساطة وهو يصدر الأحكام ، سييما أن الرجلين رغم كونهما قادة العراق لم يقيما الحواجز والحجابات مع الناس ، الا يحق لنا أن نجعل من سلوكهما موضعا للقياس .