وطن التغابن
"الى د. عبد الحسين شعبان"
وجيه عباس
ماذا يقولُكَ فكرةٌ أو شانُ؟
وحروفُك الغرباتُ والغفرانُ
تلك الجبالُ وللجنوب قيامةٌ
يكفي بأنَّكَ فيهما "إيشانُ"
وعشائرُ الناياتِ فيكَ "عَراضةٌ"
ما اهتزَّ دون أنينِها الفِنجانُ
للحرفِ مملكةٌ وليس بوسعِها
ألا تقولُكَ جمرةٌ ودخانُ
كنّا بها حطباً تَوقَّدَ كلُّهُ
والنارُ لا وجهٌ ولا عنوانُ
*****
ياتُرجمانَ وجوهِنا وكأنَّما
المسمارُ يورقُ فيه والصلبانُ
فتقيمُ "عيسى" رايةً وعلى المدى
لعليِّ بين ترابِها آذانُ
ياحاملاً في اليمِّ مصحفَ أهلِهِ
وسفينُهُ العربانُ والتربانُ
يا أينَ تلقيكَ الجهاتُ على الثرى
وجنوبُ ربِّكَ نقطةٌ وبيانُ
ولانتَ تُمسكُ في يديكَ بطرفِها
وتجرُّكَ الأحزانُ ... والأحزانُ
وتعيدُ دورتَها ليُختصرُ المدى
فتعودَ فيها أزمنٌ ومكانُ
وتكادُ تبصرُ موطناً لكنَّما
ذهبتْ به الدنيا وأنت فُلانُ
كنتَ العصيَّ بهِ هناكَ وإنَّما
النجفُ العراقُ وإن أبى النسيانُ
*****
عُدنا وجئنا والحَوائرُ دورةٌ
لم يبتديْ بطوافِها الدَوَرانُ
فيها لدمعِ الله في ذكواتِهِ
هذا الترابُ وضوعُه المَنّانُ
وهنا السماواتُ التي من بابِها
دلعَ الصباحَ عَليُّها الديّانُ
لأبي ترابٍ في الغَريِّ مواطنٌ
لكنَّ غربَتَهُ بها أكوانُ
لعليِّ في الذكواتِ قبرٌ مُفردٌ
فلأنَّهم جهلوهُ حين أبانوا
تُنمى إليه وللضميرِ عجائبٌ
أن جاء يحملُ وجهَكَ الطوفانُ
فهنا لسرِّ اللهِ فيها موضعٌ
وعليُّ فيها قِبلةٌ وأذانُ
وعليُّ وجهُ اللهِ يُؤتى دونَهُ
فلأنَّهُ وَمُحمَّداً قرآنُ
هذا الترابُ خسارُه في بيعِهِ
لو ساوموكَ به الخسارَ ولانوا
ولأنَّكَ النجفيُّ تحملُ حرفَهُ
سيُقالُ عنك إذا رووا ،خُسرانُ
يكفيك من نَجَفٍ عليٌّ وحدُهُ
ليكونَ مُتَّهَماً بك السجّانُ
كلُّ الوجوهِ عِمامةٌ علويةٌ
وعلى الترابِ عيونُها أجفانُ
سجدَ الزمانُ على ثراكَ وإنَّما
جادتكَ رملتَها بها كوفانُ
وطنُ التغابن يتَّقيكَ دريئةً
فلأنَّنا ولأنَّهُ بيبانُ
حتى إذا جئناهُ أغلقَ بابَهُ
وكأنَّنا في وجهِهِ جُدرانُ
مابيننا حتى الترابُ تَغَرُّبٌ
والماءُ يشهد أنَّهُ ظمآنُ
مشت المنافي والقميصُ يبيعُنا
إن جاءَ يوسفُ فيهِ أو عثمانُ
وطنٌ يَعِقُّ بنيهِ بين ديارِهِ
لِتَلُمَّ غربتَهُ بها لبنانُ
*****
ياحاملاً ثقلَ الدياتِ تكرُّماً
وخلاكَ ذمٌّ دونها وهوانُ
عمراً اسلتَ الفكرَ يوقدُ نارَهُ
ليضيءَ حتى يبصر العميانُ
كان اشتعالُ الشيبِ أبينَ حُجَّةٍ
للفكر حين يضيؤوك اللَمَعانُ
جُنحا عُقابٍ يُرفعان إلى السما
بينا خيالُك في الثرى سيقانُ
وَمُجَنَّحٍ عركَ الصعودَ مهابةً
والأرضُ يصبغُ لونَها الغربانُ
آمنتَ بالإنسانِ يُهضمُ حقُّهُ
ليراكَ حيثُ يسيلُكَ الوجدانُ
فتكونَ درعاً أو تكونَ مقارعاً
والصاحبان أسنَّةٌ وَسِنانُ
وعلى ركابِ الحرفِ ألفُ تميمةٍ
وكأنَّها في َمهْمهٍ فرسانُ
ماكنت تخفي لونَ صوتِكَ في الدجى
حذرَ الزنيمِ وإنٌَهُ طُغيانُ
الوجهُ نفسُ الوجهِ فيك ولم يزلْ
وسواك عَدَّدَ وجهَه العُنوانُ
*****
يا أنتَ مابين الشهورِ توسُّطٌ
رَجَبٌ تولى وادّنى شعبانُ
ولقد قضيتَ العمرَ بين مُوَدِّعٍ
وختامُ ما يُفضي به رَمَضانُ
واهاً لثلجِكَ في الرؤوسِ كأنَّما
اشتعلتْ براسِكَ دونَهُ النيرانُ
لكنما أبقيتَ طفلَكَ بينَها
يسعى، فلاشيبٌ ولا خذلانُ
وطنٌ وأنتَ حليفُهُ ولربَّما
فيهِ أضاعتْ وجهَكَ الأوطانُ
ولأنتَ في كلِّ الجهاتِ تلاوةٌ
آياتها الانسانُ.... والانسانُ
سِفْرٌ توزَّعَ مقلتيكَ غرابةً
ولقد يضجُّ برائعٍ تبيانُ
*****
من أين يبتديء الزمانُ حديثَهُ
ولنحنُ فيه اذا حكى آذانُ
المنصتون درايةً وروايةً
والعارفان بك النهى ولسانُ
نجفُ الإمامة فيكَ من ذكواتِها
وعلى ثيابِكَ في السُرى كثبانُ
ما أنت لولا حرفُها بعليمِها
فإذا اليسارُ على اليمينِ يمانُ
أسفاً على هذا الزمانِ مباهلاً
بالأرذلين وطوعُهم أزمانُ
وبمن إذا قايستَ يرفعُ خافضاً
بالفارغين، ويشهدُ الميزانُ
وكذا هي الدنيا تريكَ عجائباً
وكأنها لمّا تكنْ او كانوا
بينا ترى ثُقلَ المواهب سوأةً
فتكادُ تستر عريه الأكفانُ
كُتِبَ الصيامُ عليهُمُ وكأنَّهم
عبءٌ على هذا الزمانِ يُدانُ
لا العبقريةُ أن تُذال لِمُثقلٍ
أعمى لتكذبَ دونه الألوانُ
وطنُ التغابن أن يقولَ فندَّعي
وكأنَّهُ في قولِهِ "لقمان"
من ذا يقايضُهُ الخسارَ ببيعِهِ
زعماً بأنَّ زيادةً خُسرانُ
وبأنَّ سامرةَ الزمانِ منازلٌ
لا حيثُ تحدو النوقُ والعربانُ
*****
يامن متاعُكَ في الحياةِ يراعُهُ
ودواةُ حبرٍ دونها شريانُ
الروحُ ملءُ حروفِها وكأنَّها
مما أفاضَ الفكرُ والإيمانُ
فلأنَّ تربَكَ في الوجودِ بدايةٌ
ونهايتاه الكونُ والإمكانُ
ويلُمِّهِ الانسانُ يثبت عقله
فإذا الوجودُ أمامَهُ هَذَيانُ
اللهُ والشيطانُ أكبرُ محنةٍ
لويستطيلُ بوهمِهِ الشيطانُ
وعُرى الحقيقةِ صولجانُ بحسبنا
وكأنَّها بمظنةٍ تيجانُ
أنبيكَ أنَّ السادرين بغيِّهم
ساروا ويتبعُهُمْ به النسيانُ
وبأنْ أُضيعتْ في الرمالِ مواهبٌ
وعلا الوضيعُ المسخُ والأوثانُ
لكنَّنا نقتاتُ من أوهامِنا
فإذا نطقتَ بما تراهُ، تُدانُ
وبأنْ يُقالَ مُضَيَّعٌ في اسمِهِ
ووجودُهُ في غيبِهِ حسّانُ!
ولطاحَ بالجبلِ الغريبِ لأنَّهُ
وعرٌ، وحاصلُ جمعه نقصان ُ
كيف استقامَ بحسنِهِ فلأنَّهُ
في كل ماروت الحكايا جانُ
الأرض مسكنُهُ ولكنْ عقلَهُ
بقيا سماواتٍ بها وزمانُ
*****
يابن الثمانين التي درجت بها
تلك الحياةُ ووقعُها أثمانُ
وابن الخطى المتوثبات على الثرى
وكأنَّها في رسمِها فنّانُ
شتى الوجوهِ مررنَ في حدقاتِها
لكن وجهَكَ دونَها حزنانُ
يكفيك ماأبقتْ هناكَ وديعةٌ
للقادمين وحسبُك القُربانُ
الحبرُ فيك دمٌ يفورُ لقادمٍ
ليقولَ ماذا تبدعُ الألحانُ
ولربَّ حرفٍ شادَ فيك مدائناً
وسواه لا حَجَرٌ ولا أركانُ