الأمن الإقتصادي القومي
نادية الجدوع
الأمن الاقتصادي والأمن القومي هما مفهومان متصلان ببعض، حيث يعتبر الأمن الاقتصادي جزءًا من الأمن القومي ،
والأمن الاقتصادي يشمل: والتنمية الاقتصادية، والأمن الغذائي، والطاقة، والموارد الطبيعية
والقدرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتحـــــــــــقيق النمو الاقتصادي.
والقدرة على توفير الغذاء الكافي للسكان، وتوفير الطاقة الكافية ، كذلك ألأمن المائي هو القدرة على توفير المياه الكافية.
والأمن القومي يعني القدرة على تحقيق كل تلك المتطلبات لتوفير الاستقرار للبلد، وتحقيق مصالحها الوطنية. ويشمل
الأمن العسكري وهو القدرة على تحقيق الأمن العسكري، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
والأمن السياسي القدرة على تحقيق الاستقرار السياسي، وتحقيق مصالح البلاد.
والأمن الاجتماعي قدرته على تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتحقيق مصالح المواطنين. اما الأمن القومي يؤثر على الأمن الاقتصادي، حيث يعتبر الاستقرار السياسي والاجتماعي من العوامل الأساسية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية الاقتصادية. إذا كان البلد لا يملك استقرارًا سياسيًا واجتماعيًا، فإنه سيواجه صعوبات في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية الاقتصادية.
وتعمل الدولة على زيادة القدرة الاقتصادية، باعتبارها مجالا مهما من مجالات الأمن القومي وهي الأساس في التنمية الشاملة للدولة، وتسخر كل مجهوداتها من أجل تحقيق تنمية اقتصادية شاملة.
عناصر اساسية
وتعد التجارة من العناصر الأساسية في الاقتصاد ، للحصول على الحاجات الأساسية والمهمة، ثم الترفيهية،
والتجارة في صور مختلفة. يمكن أيضاً أن تكون تجارة خدمات. وهي ذات مستويات متعددة، فقد تكون داخلية (محلية) في إطار حدود الدولة، أو مع دول الجوار الجغرافي لتصبح إقليمية، أو في إطار منظمة معينة، أو خارجية مع دول أخرى بعيدة (تجارة دولية). وتسيطر طرق النقل ووسائله على أحوال التجارة. فتنتعش الأسواق التجارية، عندما تكون طرق النقل آمنة، ويزيد حجمها باكتشاف طرق جديدة، أو وسائل نقل حديثة. وتصبح طرق النقل (المواصلات) ذات أهمية استراتيجية، فتزيد أهميتها إذا كان يمر عبرها تجارة مادة خطرة أو استراتيجية (النفط مثلاً). وزيادة أهمية التجارة تعني زيادة أهمية المواقع المسيطرة على طرق المواصلات لتلك التجارة، مما قد يؤثر على أمن الدول الموجودة فيها تلك المواقع.
ويزيد الانتعاش التجاري من الأرباح المترتبة على العمل التجاري والأعمال الأخرى المرتبطة به (النقل ـ التسويق ـ التكليف ـ الدعاية ـ الخدمات ..) وينتج عن ذلك تعظيم للربح، وزيادة دخل الدولة والمواطنين، بل إن عدداً من الدول تعتمد على التجارة لزيادة دخلها، وانتعاش اقتصادها. وتظهر الحضارات دائماً على طرق التجارة، كما يزداد الوعي الثقافي والحضري في المدن القريبة منها, وهي أي التجارة مكملة للعناصر السابقة (الزراعة والصناعة والتعدين)، حيث لا فائدة من تلك العناصر، من دون التجارة، التي عن طريقها يتم الحصول على المواد الأولية اللازمة، وكذلك يتم تصريف المنتجات بالبيع أو الاستبدال، والحصول على الأموال اللازمة للإنفاق على العناصر الأخرى، أو أوجه الصرف للدولة.
وتعتبر التجارة العامل الأكثر أهمية في المجال الاقتصادي، من وجهة نظر الأمن القومي. فهي توفر للدولة احتياجاتها (واردات)، كما تصِّرف لها منتجاتها (صادرات)، وتمارس الدول التجارية تجارة خارجية بحتا (تجارة دولية)، لتزيد من أرباحها. كما يقوم بالتجارة الدولية شركات عالمية، انتشرت وأصبحت قوة لا يستهان بها، لسيطرتها على الأسواق التجارية وأسواق المال. وأصبحت تلك الشركات أقوى من الحكومات في كثير من المناطق.
وكما في الموارد الطبيعية (المعادن)، فإن الموقع التجاري يصبح أداة جذب للقوى الخارجية، ومطمعاً لاحتلاله (قديماً)، أو السيطرة عليه، وهو ما ينقص من أمن الدولة. ويؤدي تغيّر اتجاهات التجارة الخارجية إلى انكماش اقتصادي، وتخلف حضاري
وتمت عدة اتفاقيات ومعاهدات دولية بشأن التجارة، كما نشأت عدة منظمات دولية لرعاية التجارة العالمية، كان آخرها وأهمها تلك المعروفة باسم «منظمة التجارة الدولية « وهي التي سعت لتحرير التجارة الدولية من السياسات الحمائية للدول (الرسوم الجمركية وقوانين الحد من الواردات والحصص المقننة وغيرها)، وصدر عنها عدة اتفاقات دولية، وتعتبر رءوس الاموال عنصرا أساسيا في المجال الاقتصادي، حيث تموِّل المؤسسات المالية القومية، المودع لديها رؤوس الأموال القومية، المشروعات الزراعية والصناعية وحركة التجارة استيراداً وتصديراً. ويعود ذلك النشاط الاقتصادي بفوائد عديدة على أمن الدولة القومي. فإضافة إلى تنمية الزراعة والصناعة والتجارة، وزيادة دخل الدولة، نتيجة لهذه الأنشطة، فهو يزيد من حجم العمالة القومية، ويقلل نسبة البطالة. وتقوى المجالات الأخرى نتيجة زيادة الأنشطة الاقتصادية، وزيادة الدخل القومي للدولة. كما يرفع من مستوى معيشة الأفراد، ويساند ذلك المجالات الأخرى مرة ثانية.
وتُعد رءوس الأموال موارد صناعية، تنشأ نتيجة أنشطة اقتصادية، توفر فائضاً يمكن ادخاره. لذلك، من المهم أن تزيد نسبة المدخرات القومية، التي يمكن أن تستخدمها الدولة في تمويل مشروعات جديدة، ترفع من نسبة العمالة، وتزيد من دخل الأفراد ودخل الدولة. ويؤدي نجاح المشروعات الاقتصادية المختلفة إلى تحقيق متطلبات الأمن القومي، وهو ما يعود بفوائد جمة على المجتمع، خاصة أن هذه الأنشطة تدعم تلقائياً العملة القومية.
وأكثر الفوائد أهمية لهذا النشاط الاقتصادي تقليل الاعتماد على القروض الأجنبية، والابتعاد عن دائرة الفوائد وخدمة الدَّين التي لا تنتهي. كما يهيئ حرية القرار السياسي، ويدعم ذلك الأمن القومي للدولة.
يُلحق بهذا المجال (المجال الاقتصادي) الإمكانات العلمية، والتطور التقني بالدولة. وارتفاع مستوى هذا الاتجاه من شأنه أن يساند الأنشطة الاقتصادية المختلفة، مما يساعد على تحقيق تنمية حديثة وعصرية متقدمة.
أصبح مفهوم الأمن الاقتصادي جزءاً أساسياً من الأمن الوطني، وهو ما يعكس التداخل المتزايد بين السياسات الاقتصادية والمخاوف الأمنية الأوسع، وفيما كان الأمن الوطني في السابق يركز بشكل رئيس على القدرات العسكرية والدفاعية، أصبحت الهشاشة الاقتصادية مصدر تهديد رئيس لاستقرار الدول وأمنها، وقد أظهرت أحداث مثل الحروب التجارية، والجائحة، والتوترات الجيوسياسية، خصوصاً بين الولايات المتحدة والصين، كيف يمكن أن تؤدي هشاشة سلاسل التوريد والاعتماد الاقتصادي إلى تهديد الأمن الوطني، ونتيجة لذلك، أعطت العديد من الحكومات الأولوية للأمن الاقتصادي بصفته عنصراً أساسياً في استراتيجياتها للأمن القومي.
فهم متزايد
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، تطور مفهوم الأمن الاقتصادي استجابةً للفهم المتزايد بأن الاعتماد الاقتصادي، مثل الاعتماد على سلاسل التوريد أو التقنيات الأجنبية، يمكن أن يتم استغلاله في أوقات الأزمات، وقد تعزز هذا الوعي في العديد من الدول التي اكتشفت خلال عديد من الأحداث اعتمادها على دول - قد لا تكون حليفة بكل الأحوال - في العديد من السلع الاستراتيجية، ولذلك فقد بدأت العديد من الدول في التركيز على الأمن الاقتصادي، بل والإعلان عن استراتيجيات وطنية للأمن الاقتصادي، وقد أصبحت الاستثمارات العامة في الصناعات الحيوية أيضاً حجر الزاوية في استراتيجيات الأمن الاقتصادي، ولذلك فقد تزايدت الإعلانات عن الاستثمارات الحكومية الضخمة في قطاعات مثل الطاقة النظيفة والبنية التحتية والتقنيات المتقدمة لتقليل اعتمادها على الموردين الأجانب وتعزيز القدرات الإنتاجية المحلية.
كما اعتمدت العديد من الحكومات سياسات تهدف إلى إعادة توطين الصناعات، أو تعزيز الروابط التجارية مع الشركاء الموثوقين، ويسعى هذا الاتجاه، الذي يُعرف باسم «إعادة التوطين مع الحلفاء»، إلى تقليل الاعتماد على الدول المنافسة جيوسياسياً وضمان توفير أكثر أماناً للسلع الحيوية، هذه السياسة هي إحدى أبرز السياسات التي تبنتها الدول لحماية أمنها الاقتصادي، ويُقصد بهذه السياسة إعادة الإنتاج إلى السوق المحلية لضمان توفير آمن للسلع الحيوية، وقد ظهر هذا الأسلوب بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث أصدرت الحكومة تشريعات مهمة، مثل قانون أشباه الموصلات والعلوم، لتعزيز الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات وتقليل الاعتماد على المصانع الأجنبية، ومصطلح «الحلفاء الموثوقين» يختلف تعريفه من دولة إلى أخرى، فتنظر إليه بعض الدول، حسب التوافق في القيم، وتنظر إليه دول أخرى ببراغماتية أكثر بحسب المصالح التجارية المتبادلة، وتختزله دول أخرى في تصنيف دول الشمال ودول الجنوب.
وقد أدرج منتدى الاقتصاد العالمي عدة مناظير في سياسات الأمن الاقتصادي، من ضمنها البراغماتية والانفتاح، والتنويع بين الشركاء، وبناء الثقة بين الشركاء، والتركيز على الحوار، والبعد عن التوتر، والتعاون نحو الأهداف المشتركة.
وبالحديث عن المنافسة الجيوسياسية، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن تلك المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، التي كانت عاملاً حاسماً في التفات العديد من الدول إلى تطوير سياساتها للأمن الاقتصادي، وشهد العالم سياساتٍ من كلتا الدولتين تهدف إلى التقليل من الاعتماد على منتجات وسلع الدولة الأخرى، كما شهد استثمارات مليارية في صناعات استراتيجية مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، وأدى هذا التحول إلى تبني موقف أكثر حمائية في السياسات الاقتصادية، حيث تحدد المخاوف الأمنية الوطنية القرارات المتعلقة بالتجارة والاستثمار. وقد أطلقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مبادرات عديدة لتعزيز أمنهما الاقتصادي استجابة للتحديات المتزايدة.
خبير ستراتيجي