قراءة موضوعية- تقديم الناقد محمد عبد الواحد الحبة
يوم حلو يوم مر.. شئ من الطفولة وكثير من الحكمة
هدير الجبوري
عن دار النشر نون ( نركال) في الموصل صدر للصحفية العراقية هدير الجبوري منجزأدبي يندرجُ ضمن (أدب الخاطرة ) التي هي أحد الانواع الادبية المعروفة,, , وقد احتفى أتحاد الادباء والكتاب في نينوى بصدورهذا الكتاب للصحفية المذكورة في حفل توقيع خاص حضره عدد من الادباء والكتاب في نينوى,, وسنتناول الكتاب عبر هذه القراءة الموضوعية وماضمه من محتويات
تقع الخاطرة الادبية في منطقة وسطى بين السرد والشعر إلا انها تتجاوز الى السرد بعض الشئ ,, هي نص يدوٌن الكاتب فيه مايخطر بباله من افكار دون إستطراد او إطالة خالية من تفصيلات البناء القصصي ومن موسيقى الشعر وإسلوبه المكثف هي تعبير غير مقيد عما يجول بخاطر الكاتب بشكل شعوري خاص به, بقالب ادبي بليغ ,يكثر فيها التصوير بالكلمات لكونها إنفعال وجداني وتدفق عاطفي حر غير مقيد بنهاية..
الخاطرة نصٌ وليدُ اللحظة والعفوية اجمل مافيها فلاتحتاج لإعداد مسبق ولاتحتاج لأدلة او براهين ..
هي جنسٌ ادبي متمرد على القيود يصطاد الفكرة وسرعان مايقيدها بالكلمات وسرعان ماتصل إلى القارئ او السامع هي جنسٌ ادبي سهل المتناول بالنسبة للمتلقي ولاأقول سهلة على الكتٌاب فبرأيي لاوجود لكتابة سهلة فالكاتب إنما يكتب بروحه ودمهِ وإن كان ظاهر النص السهولة فهو من باب السهل الممتنع.
لاتلتزم الخاطرة باسلوب معين فقد يكون الكاتب جاداً وموضوعياً وقد يكون ساخراً متهكماً وليست الخاطرة رديفة الحزن كما يظن البعض بل هي مساحة واسعة للخاطر والمشاعر الصادقة من فرح وحزن وحب وشوق فقد تكون الخاطرة وجدانية وقد تكن إجتماعية ..
تحفل الخاطرة بالفنون البلاغية من كناية استعارة وبديع ,وتحمل بين ثناياها شيئاً من الرمز والتكثيف لكن ليس بالدرجة التي تجعل منها قصيدة نثر..
إذا ألقيت الخاطرة شفاهاً أستقبلها المتلقي بسهولة فسرعان ماينتقل إليه ما في وجدان الكاتب ,, أما قصيدة النثر فأنصح متذوقيها بتلقيها قراءةً فقد يحتاج لأكثر من محاولة لفك رموزها وفهم موحياتها ..
هي خواطر وجدانية ,, تُفصح عما في وجدان صاحبتها من غربة وحنين وإحتجاج وشكوى هي مغامرة قصيرة أسميتها ( الهروب إلى المنى ) فقد نسجت الكاتبة من خيالها جنة من الامنيات هي خليط من ذكريات الماضي واماني المستقبل ,, شئ من الطفولة وكثير من الحكمة..
من منٌا يقنع بواقعه ؟ لطالما رددنا ( الماضي أجمل) أجمل بكل ذكرياته حلوها ومرها , كم اطلقنا العِنان لخيالنا ؟ كم حلمنا في صحونا ويقظتنا؟
وإذا ازداد الضغط من حولنا تقوقعنا حول ذاتنا لننعم بشئ من السلام لساعات او لدقائق ..
وهذا مافعلته الكاتبة في رحلة هروبها الى المُنى في نص بعنوان
( حياة مؤجلة) تشكو فيه الكاتبة من الحاضر وكأنها لاتجدُ فيه أيٌ من امانيها
حبنا مؤجل
لقاؤنا مؤجل
قربنا مؤجل
كلامنا مؤجل.. وبوحنا مؤجل
فقط خوفنا حاضر
وفي نص آخر تشكو الكاتبة من قسوة الواقع مجسدة ً إياهُ بالمرآة فهي تُرينا الواقع كما هو بلا رتوش فلا هي ريشة فنانٍ يُغذيها بخياله ولاصورة تعالجها التقانات الحديثة فتقول ( تفاجِئنا مرايانا ) ,, لذا قررت الكاتبة الرحيل , والرحلة حركة فالقارئ يجد الحركة مقرونة بالفرح إلا حركة واحدة هي التحرك من الماضي إلى الحاضر , تقول :
كيف بوسع قلبها ان لايسافر فرِحاً
كيف يستقر فلا يقفز مرتجفاً
وعلى العكس نجد السكون رديفاً للحزن فلم تكن الاشجار إلا شاهدة على نزاع الجدران الصماء وقد كانت الاشجار عند غيرها من الكتاب تحمل دلالات أُُخر إلا هدير الجبوري لاترى في السكون والثبات إلا الأسى حتى عندما تخيلت نفسها زهرة تمنت لو تُقطف وتغادر الارض ..
وهنا تبدأ الرحلة فتحلم ان تكون ( شعاعاً يُصافح وجوه الاطفال)
ترحل الكاتبة الى الماضي فحين تصف نفسها وهي منتشية في شعورٍ اشبه بالحلم تختم النص بقولها:
في عالمٍ بهي لايتكرر
وطعم لحظاتهِ من الماضي
وأحياناً اخرى تؤسس عالماً خاصاً من وحي خيالها تُصفٌيه من الشوائب والمنغصات , فإذا ماعاشت تلك اللحظات داخل نصٍ قصير تركت النهاية مفتوحة ولم تعكر صفوها بالاستيقاظ على الواقع الأليم ..
وفي تلك اللحظات التي قررت فيها البقاء في الواقع فم تلتفت للماضي ولم تتطلع إلى المستقبل تقوقعت حول ذاتها وقطعت الصلة بمن حولها واعلنتها مدوية :
لاأرض تجمعني بهم
ولاسماء تدركها خيالاتُهم
وربما اقامت بينها وبينهم
( سوراً من صمت ووجود)
هكذا قرأت الكتاب , شكراً للكاتبة على الوقت الماتع الذي قضيته مع كتابها..
-- ملاحظات عن الكتاب
- كانت العناوين مطابقة للمضمون تماماً وهذا حسن ولكن اشتقنا ونحن نقرأ العناوين المُفارقة التي تخبئ مفاجأة للقارئ وتبين الكاتبة من خلاله احتجاجها على تناقضٍ يجري من حولها أو غياب المنطق وما اكثر ما أحتجٌت الكاتبة حتى قررت الهروب.
- احسنت الكاتبة إذ ابتعدت عن خواص قصيدة النثر لكنها احياناً نراها تبالغ في الابتعاد حتى لاتترك لنا رمزاً او أستعارةً أو كنايةً وهذا ينطبق على بعض النصوص وليس الكل..
- جاء العنوان مناصفةً بين الحلو والمر وقد قدمت الحلو على المر كذلك لوحة الغلاف لكن عندما قرانا الكتاب وجدنا أن جُلٌه يحكي عن الايام المرة
فربما أخذ الكاتبة الأسى الذي سيطر على حياتها صوب المر ونسيت ان كتابها فيه مناصفة لم تكن منصفة بين الحلو والمر..
هدير علي ياسين الجبوري
مواليد ١٩٦٦
حاصلة على شهادة البكلوريوس من الجامعة المستنصرية في بغداد كلية الادارة والاقتصاد/قسم ادارة اعمال ..
صحفية تكتب في صحيفة الزمان بطبعتيها بغداد ولندن ..
تخصصت باللقاءات الصحفية الفنية مع كبار المطربين والممثلين والمخرجين العراقيين من على صفحات الزمان
كتبت ايضا في نفس الصحيفة العديد من المقالات واللقاءات بشخصيات عراقية مؤثرة في الادب والثقافة والعلم ووثقت عطاء وانجازات العديد منهم عبر هذه اللقاءات
سبق لها كتابة المقالات في الصحف والمجلات المحلية منها نبض المدينة والمتحدة ونينوى الاقتصادية ومجلة خاتون مونتريال التي تصدر بكندا...
عضو الهيئة المؤسِسة لرابطة كتاب تاريخ الموصل وتراثها
عضو اتحاد كتٌاب الانترنيت في العراق
صدرت لها العديد من المقالات والمواضيع الصحفية..
تولت تقديم واعداد برنامجي نصف العالم ورحلة مع الابداع الذي تقدمه مع القاص والصحفي ثامر معيوف وتستضيف من خلاله الشخصيات النسوية المؤثرة بالمجتمع الموصلي ..
مدربة دولية معتمدة في التمنية البشرية وقضايا المرأة
ناشطة مجتمعية في مجال حقوق المرأة في نينوى ..
نالت العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من مؤسسات رصينة
صدر لها العديد من المؤلفات منها
همس الجواري /نصوص نثرية
ذات يوم /مجموعة قصصية
يوم حلو يوم مر/ من أدب الخاطرة
ازاهير موصلية /سيرة ذاتية للنساء الموصليات من مختلف المجالات
ازاهير عراقية /سيرة للنساء العراقيات المميزات ..
كتب عنها العديد من الكتُاب العراقيين في السير الذاتية والمقالات المنشورة منهم المؤرخ ابراهيم العلاف وعطية منشد الرميضي وغيرهم من الكتٌاب...