الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قصة كتاب.. تاريخ العراق السياسي الحديث لعبد الرزاق الحسني

بواسطة azzaman

قصة كتاب.. تاريخ العراق السياسي الحديث لعبد الرزاق الحسني

صلاح عبد الرزاق

 

نبذة عن سيرة المؤلف

عبد الرزاق الحسني (1903- 1997) مؤرخ وموسوعي . ولد عبد الرزاق مهدي صادق هادي آل عيسى في بغداد عام 1903 لأسرة شيعية ، وكان والده يعمل تاجراً متوسطاً في سوق العطارين. تعلم مبادئ القراءة والكتابة في جامع الخفافين في شارع النهر قرب المدرسة المستنصرية. دخل الحسني مدرسة (مكتب الترقي الجعفري العثماني) والتي أسسها الزعيم الوطني جعفر أبو التمن عام 1908. وتعلم الحسني فيها مبادئ اللغتين التركية والفرنسية إلي جانب اللغة العربية. في عام 1920 انتقل الحسني إلى مدينة النجف الأشرف مع عائلته ، بعد أن اضطر والده إلى مغادرة بغداد بسبب ظروف خاصة. وعندما اندلعت ثورة العشرين عام 1920 ، تحمّس لها الشاب الحسني ، فشارك في التظاهرات والتجمعات التي شهدتها النجف الأشرف. كان يوزع المنشورات. وتنامى دوره ليصبح واحداً من رجال إعلام الثورة القلائل ، بعد اشتراكه مع محمد عبد الحسين الكاظمي في اصدار جريدة (الاستقلال) التي شغلت موقعاً هاماً.

دخل الحسني طالباً في الصف الثاني بمدرسة دار المعلمين العالية التي كانت تجاور مدرسة الخاتون في محلة الفضل القريبة من الميدان. وأثناء دراسته في دار المعلمين عام 1922 ، كتب الحسني أول كتاب له بعنوان (المعلومات المدنية لطلاب المدارس الابتدائية ). قام بطبعه له مدرّسه بمطبعة (الفلاح) على نفقته الخاصة. في مطلع عام 1923 وأثناء دراسته في دار المعلمين اتخذ الحسني لنفسه لقب (الحسني) ، بعدما شاع استعمال الألقاب بين الناس بين عامي 1922 و1923 ، وذلك بوصفه من سلالة الامام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، فصار يُعرف به ويشتهر. وأخذ يوقع به مقالاته المنشورة في جريدة (المفيد)

في أيلول 1925 أصدر الحسني في بغداد العدد الأول من جريدة (الفضيلة) ، عمل الحسني مراسلاً للأهرام عام 1929 .

كانت الوظيفة في وزارة المالية ، أول وظيفة حكومية شغلها الحسني في حياته ، وفتحت له آفاقاً للنضج والكتابة والتخصص. كما أتاحت له العمل والتعرف على مناطق مختلفة من العراق.

بقي الحسني في وظيفة معاون محاسب بوزارة المالية حتى أواخر كانون الأول 1931 ، عندما عُيّن مديراً لخزينة لواء بغداد ، وبعد مدة نقل إلى مدير خزينة لواء ديالى ، وبقي فيه لمدة عام. ثم نقل إلى الحلة ، وبقي بهذا المنصب حتى عام 1938 ، ثم عُيّن مديراً لحسابات مديرية البريد والبرق العامة في بغداد ، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1941 حيث فُصل من الخدمة بسبب أحداث انقلاب مايس 1941 ، بسبب علاقة الحسني بقادة الانقلاب وخصوصاً رشيد عالي الكيلاني.

في أوائل عام 1949 نُقل الحسني إلى ديوان مجلس الوزراء بمبادرة شخصية من رئيس الوزراء آنذاك توري السعيد. عمل في مجلس الوزراء العراقي مع الكثير من الوزراء والمسؤولين وعاملوه جميعاً معاملة حسنة، وهو يعد تلك الفترة من أجمل أيام حياته . وقد أعجبته هذه الوظيفة، التي قضى فيها (14) سنة، لأنه أفاد منها كثيراً في الحصول على المصادر الأولية لمواد كتابه (تاريخ الوزارات العراقية). وفي أثناء عمله فيها حصل على وسام الرافدين من الدرجة الثالثة ومن النوع المدني لمناسبة تتويج الملك فيصل الثاني سنة 1952.

بعد تقاعده من الوظيفة انصرف الحسني إلى التوجه نحو التأليف والكتاب في شتى الميادين السياسية والتاريخية والعقائد وأدب الرحلات وغيرها. فزار سوريا ولبنان وتركيا وايران.

في 10 أيلول 1978 تعرض الحسني لحادث دهس في وسط بغداد . وقد كان لهذا الحادث تأثيراً على جسده وكان يبلغ من العمر آنذاك (75) عاماً ، وبقي يعاني من المرض وعدم القدرة على المشي.

قصة الكتاب

 الكتاب يبحث في تاريخ العراق الحديث ، ويُعد أحد المراجع الهامة للتاريخ السياسي للعراق.

وقد ألفه الحسني في معتقل العمارة للفترة من 29 تشرين الأول 1941 ، حتى إطلاق سراحه في 20 مايس 1944. طبع الكتاب لأول مرة في مطبعة (العرفان) بصيدا في ثلاثة أجزاء سنة 1948 ، وطبعة ثانية عام 1957 . وأعيد طبعه بالأوفست في بيروت عام 1975 ، ومرة أخرى عام 1980. وفي عام 1982 أعيد طبعه طبعة خامسة وموسعة في مطبعة دار الكتب في بيروت ، ثم طبعة سادسة لنفس الدار عام 1984.

 

منهجه في كتابة التاريخ 

أولاً: الاكاديمية

 والرجوع إلى المصادر الرصينة العربية والإنكليزية ، مقررات مجلس الوزراء العراقي ، تقارير دار الاعتماد البريطانية المرفوعة إلى عصبة الأمم في جنيف ، تقرير دار الاعتماد عن تقدم العراق خلال عشر سنوات 1921-1931 ، مذكرات المجلس التأسيسي (الأعيان) ، محاضر مجلس الأعيان ، محاضر مجلس النواب.

ثانياً : الموسوعية

والبحث والكتابة في مجالات عديدة كالتاريخ والمعاهدات الدولية والوزارات العراقية والأحزاب السياسية.  وفي العقائد والأديان كتب عن الصابئة واليزيديين والبهائيين والشيعة والخوارج والبابيين. وكتب في تاريخ الصحافة ، الأغاني الشعبية ، في أدب الرحلات ، ثورات العشرين والنجف وكربلاء . وكتب في المراقد المقدسة في العراق.

ثالثاً: الوثائقية

يحرص الحسني على الحصول على الوثائق كالرسائل والمذكرات والاتفاقيات ومذكرات التفاهم ونصوص المعاهدات الدولية. مما يعزز وجهة نظره ويقوي البحوث التي يكتبها

في المقدمة

-يتحدث عن اعتقاله في سجن العمارة ولقائه بمحمد صديق شنشل

- حرصه على الاستفادة من ملاحظات وإرشادات القراء والإشادة بهم.

- يروي أن الملك علي شقيق الملك فيصل الأول أعطاه مذكرة كتبها فيصل. وهي وثيقة تاريخية رصينة تعالج مشاكل المجتمع العراقي والطائفية السياسية الممارسة في الدولة.

- حصوله على جائزة المجمع العلمي العراقي لعام 1949 عن كتابه (تاريخ العراق السياسي الحديث)

- نال جائزة تقديرية من السوربون عام 1957 عن نفس الكتاب.

في الفصل الأول

 يتناول تاريخ العراق والحضارات القديمة فيقول عن الشعب الشومري وليس السومري وأنهم ليسوا من الساميين ولا صلة لهم بالقبائل السامية.

- كما تناول الأكديين والعيلاميين والعموريين ثم الأشوريين فالكلدانيون والفرس واليونانيون ، ثم الفرس الساسانييون.

- ويتناول بروز الإسلام من الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية والعباسية والايلخانية والجلائرية ثم السلاجقة فالصفويون والعثمانيون ودخول سلاطينهم بغداد والمعارك التي دارت حولها.

- ويتناول ثورة العشرين التي خصص لها كتاب مفرد، ثم تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة الكيلاني ، وحكومة الانتداب البريطاني حتى تحقق الاستقلال ودخول عصبة الأمم المتحدة في 3 تشرين الأول 1932.

 الفصل الثاني

 تحدث الحسني عن المصالح البريطانية في العراق ومقارنتها بمصالحها في الهند.

- يبدي فهماً عالياً في متابعة الاستراتيجية البريطانية وصراعها مع فرنسا وغيرها في الشرق الأوسط.

-يستعين الحسني بمصادر يوردها في هامش الصفحة من الكتب الصادرة آنذاك (الشرق الإسلامي في العصر الحديث) للكاتب حسين مؤنس ، (على طريق الهند) و (ملوك العرب ) لأمين الريحاني ، (تاريخ الكويت) لعبد العزيزي الرشيد، (تكوين العراق الحديث) لهنري فوستر ، (العراق في أربعة قرون) للونكريك ، إضافة إلى مصادر إنكليزية مثل كتاب فيليب إيرلاند وفوستر وكوك.

- يستعين بمحاضر مجلس اللوردات البريطاني لسنة 1903

- يستعين بنصوص المعاهدات البريطانية مع شيخ الكويت عام 1898

- تناول تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية ودورها في منطقة الخليج العربي.

- كما يسلط الضوء على المقيمية البريطانية في بغداد وقناصلها في البصرة والموصل

الفصل الثالث:

 يتناول احتلال العراق وتقاطع المصالح الأجنبية وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا وروسيا.

سأتناول أربعة محاور ، كما يأتي:

1 -انبثاق الوعي العربي

ينتقد الحسني الدولة العثمانية (ص 58 ) نقداً رصيناً فيقول:

-أخذ الترك الإسلام عن العرب لكنهم عجزوا عن احتمال عبء ترك الحضارة العربية.

-ففي الوقت الذي هضم العرب كل ما وجدوه من حضارات بعد الفتح ، وأوجدوا حضارة خاصة بهم ازدهرت لقرون طويلة ، بينما بقي الترك قوماً محاربين ولم يهضموا الحضارة العربية ولا الحضارات الأخرى لتكوين حضارة جديدة قائمة بنفسها.

-هذا ما جعل الشباب العربي ينطلق ليرتشف من المدارس العصرية ثقافتها حتى تحرك في نفوسهم النشاط ، وفي عروقهم الدم العربي.

-ومع التعليم الحديث ولدت فكرة البعث العربي. وزادهم نشاطاً بعض الحركات الثورية في صفوف العرب ضد الإمبراطورية العثمانية كحركة محمد علي باشا في مصر الذي أراد التخلص من الهيمنة العثمانية وولاتها.

-وكحركة الوهابيين التي قام بها فريق من العرب ضد الترك للتخلص منهم!!؟؟ فهي وإن كانت دينية مذهبية إلا أنها مهدت بصورة غير مقصودة الطريق للبعث العربي الحديث. وكحركة الامام يحيى في اليمن.

ثم يستنتج الحسني : فالوعي العربي سابق للفكرة التركية الطورانية. وقد استغلت الدول الأوربية الوعي القومي العربي ، وخاصة فرنسا . وصار الترك ينظرون للعرب أساتذتهم في الدين والثقافة كأتباع. ومهد التطرف العنصري التركي إلى إضعاف العلاقة الدينية التي كانت تربط العرب بهم. فكان ذلك سلاحاً ماضياً في تقطيع أوصال الإمبراطورية . وبذلك انفتح لمفكري العرب التعاون مع الدول الأوربية في سبيل التحرر من النير التركي. إذ لم يعد السلطان خليفة المسلمين بل كان حاكماً تركياً يستعبد العرب، (ص 59)

مدرستا الهند والقاهرة

يتناول الحسني السياسة البريطانية في الشرق الأوسط والتي كانت تركز على مركزين رئيسين هما الهند والقاهرة. وقد اصطلح على الأول المدرسة البريطانية الهندية ، والثاني المدرسة البريطانية العربية. يرى أصحاب المدرسة الهندية أن التوغل البريطاني في البلاد العربية يجب أن يبدأ من عدن والخليج العربي وينتهي إلى بغداد. وينقل الحسني خطاب اللورد كرزن أمام مجلس اللوردات البريطاني عام 1912 الذي يؤكد فيه على أهمية بغداد الاستراتيجية. وكان على بريطانيا كسب ابن سعود الوهابي لما له من نفوذ في الجزيرة العربية وأطرافها. أما أصحاب المدرسة العربية فهم يرون أنه على بريطانيا السيطرة أولاً على مصر وثم سوريا ، لحمل عرب الشام على مقاومة النفوذ الفرنسي ومنعه من التوسع. وبذلك تحفظ الطريق بين الهند والجزر البريطانية، وتستحوذ على المدن الإسلامية المقدسة مكة والمدينة والقدس ، فتجعل العرب يدينون لها بالولاء. ولما كان لشريف مكة الحسين بن علي مقام ديني وسمعة واسعة في تلك الأنحاء ، كان من مصلحة إنكلترا أن تصطفيه وتزّعمه على العرب.

ثم يحلل الحسني الفرق بين المدرستين انطلاقاً من فكره القومي فيقول:

الفارق الرئيس بين المدرسيتين هو أن المدرسة العربية أدركت بعض الادراك الشعور العربي القومي ، وطموح العرب في التحرر والاستقلال، فأيقنت أنه من المستحيل أن توجه المصالح البريطانية في الوطن العربي بالقوة ، لأنها تكون مهددة تهديداً مستمراً بسخط العرب وثوراتهم. وهذا يكلف الحكومة البريطانية من الجهد والنفقة والتضحية قدراً يفوق ما تربحه عادة لتأمين هذه المصالح. كل ذلك جعل بريطانيا لانتهاج سياسة الاسترضاء ، بمنح العرب بعض الحقوق، وإقناعهم بأن ذلك يرضي مطامحهم. وبهذا تضمن بريطانيا لنفسها إيجاد أنصار من العرب، ولو كانوا قليلي العدد ، يعملون على حماية المصالح البريطانية في الوطن العربي بأقل جهد ونفقة وتضحية.

أما أصحاب المدرسة الهندية فهم متأثرون بالفكرة الاستعمارية في الهند، ولا يفكرون بغير توسيع الإمبراطورية. وقد كشفت الأحداث خطل سياستهم في الهند نفسها حيث واجهت بريطانيا مشكلة الهند الكبرى.

كما أن آرنولد ويلسون الحاكم المدني في العراق وممثل هذه المدرسة قد خاب خيبة فظيعة في تنفيذ نظريتها في بلاد الرافدين. وكان لسياسته فضل مشهود في انطلاق ثورة العشرين عام 1920. وسجل الثوار العرب مقاومة دامية ضد الاستعمار الذي كانت تدعو إليه المدرسة الهندية.

لقد توالت الثورات حتى اضطر ويلسون إلى تغيير مواقفه عندما دخل عضواً في لجنة ألفها مجلس العموم البريطاني إثر ثورة القسام عام 193٦ في فلسطين. فصار ويلسون يرسل إلى جريدة التايمس اللندنية ردوداً على كل من يستهين بحق العرب في الحرية ، ويطالب حكومته البريطانية بترك سياسة التعسف في صلاتها بالعرب ، وتتخلى عن مشروع الوطن الصهيوني في فلسطين، مستشهداً في كتاباته هذه بممارسته الحكم المباشر في العراق وخيبته فيه ، وقناعته بضرورة إنصاف العرب.

أثناء الحرب العالمية الأولى بدأت سيطرة بريطانيا على العراق وفلسطين والخليج ، وفرنسا على سوريا ولبنان يعترف الحسني بأن المدرسة الهندية قد انتصرت على العربية ، ولكن ما أصاب الانكليز من خيبة بعد معركة الكوت عام 191٦ ، وهزيمة الانكليز في الدردنيل في شبه جزيرة غاليبولي التركية عام 1915 التي كانت تهدف إلى غزو إسطنبول من قبل قوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا مقابل تركيا وألمانيا والنمسا).

بعد هاتين الهزيمتين رجحت كفة فريق القاهرة ، وساعد على رجحان كفته عجز ابن سعود عن دعم الحملة البريطانية على العراق ، وتقلص نفوذه في الجزيرة ، إضافة إلى أن ما أنفقته بريطانيا على ابن سعود أضعاف ما طلبه الشريف حسين أو قبضه من بريطانيا . الأمر الذي جعل إنكلترا تتجه في مفاوضاتها مع شريف مكة عام 1915.

وقد ساعد فريق القاهرة بروز نجوم المس بيل ولورنس العرب اللذين جذبا نظر الرأي العام الإنكليزي. مما حمل السياسيين الإنكليزي على قبول وجهة نظرهما.

لم تنتظر بريطانيا تنفيذ مقترحات المس بيل وتوماس لورنس قبل احتلال العراق خاصة عندما شعر الانكليز أن الجيش الروسي قد يتقدم نحو بغداد ويحتلها، فصار القرار الاسراع باحتلال العراق لأسباب عسكرية وسياسية. أرسلت بريطانيا الجنرال مود ليعالج هزيمة الكوت فتمكن من مهاجمة الجيش التركي في 9 كانون الثاني 1917 فانسحب الجيش التركي نحو بغداد ، فلاحقته القوات البريطانية حتى وصلت سلمان باك في 28 شباط 1917  ، فاضطر الترك إلى إخلاء بغداد والانسحاب نحو الشمال باتجاه الموصل. وبعد أسبوعين احتلت القوات البريطانية بغداد في 11 آذار 1917. وبذلك أصبحت القضية العراقية برمتها بأيد بريطانيا عسكريا وسياسيا.

3- أسباب احتلال العراق

يؤيد الحسني آراء كثير من الكتّاب والباحثين المحققين بأن الأسباب الحقيقية لاحتلال العراق هي:

1-وضع العراق الجغرافي الذي يتوسط المنطقة بين البحار والدول وطرق التجارة العالمية.

2- وقوع العراق في عقدة الخطوط الجوية التي بدأ استخدامها للنقل والتجارة ينمو باضطراد. وكذلك نقل الجنود والأليات العسكرية والعتاد والذخائر وغيرها.

3- نفط العراق الذي ازدادت أهميته قبل الحرب عندما تم تموين الجيش البريطاني من الوقود الذي ينتجه مصفى عبادان. وكانت الاكتشافات قد أكدت وجوده في العراق. كما أن استخدام النفط أصبح هاماً في تسيير وسائل النقل كالطائرات والبواخر والسيارات والصناعات.

4- خصوبة أرض العراق وثرواته الزراعية والمياه الغزيرة مما يجعل العراق بلداً زراعياً يصدر منتوجاته لبريطانيا وبقية دول العالم. كما أنه يشكل سوقاً جيدة للصادرات البريطانية كالأقمشة القطنية والصوفية والمكائن والعدد الزراعية.

4- ثورة العشرين القومية!!

يخصص الحسني فصلاً لثورة العشرين التي يصفها بعنوان (مرحلة من مراحل الكفاح القومي العربي) ، وهو وصف يعبر عن نظرة ضيقة لثورة العشرين الوطنية الإسلامية. فقد قادتها المرجعية الشيعية وأصدرت فتاوى دينية بالجهاد الدفاعي. كما التزم أبناء العشائر بالفتاوى ، وواجهوا القوات البريطانية ايماناً منهم بالجهاد والشهادة ، وهي قيم إسلامية وليست قومية. ورفض أبناء العراق الاحتلال الأجنبي لوطنهم العراق وخضوعهم للمستعمر الذي يهيمن على بلادهم وثرواتهم ومصيرهم ومستقبلهم.

يحاول الحسني الدفاع عن الإسلام باعتباره انجازاً عربياً ، (فالقرآن نزل بلغة العرب ، وهو دستور العرب الحي الذي يحفظ لغتهم ويصون عقيدتهم ، ويحرس حقهم بالاعتزاز بماضيهم. وأن النبي هو الزعيم العربي الخالد محمد بن عبد الله (ص)).

وينبري الحسني في تعزيز نظرته القومية عن ثورة العشرين فيقول (إن الثورة العربية ليست إلا صورة من صور الكفاح القومي. فقد احتفظ العرب بالجهاد فيما احتفظوا به من مميزات حياتهم).

يقول الحسني : لقد جاهد العرب مع الترك الحاكمين لدفع الاستعمار الأجنبي حتى إذا تبين لهم التواء الترك ، وعجزهم عن الاستمرار في الكفاح ، انفردوا بالجهاد لتخليص بلادهم من شرور الطامعين. (ص 111 )

وهذا يخالف الحقائق التي تقول أن العثمانيين كانوا يعتمدون الأساس الإسلامي في حروبهم ويتبنون مفاهيم الجهاد والشهادة. ومثل بقية الدول المترامية الأطراف ، دب فيها الفساد ، وتغلغل النفوذ الغربي ، وازداد الانحراف والظلم بحق الرعية.

 كان يرافق الجيوش العثمانية قاض وفقيه يفتون للجيش في المسائل التي يواجهها المقاتلون ، وكان يسمى (قاضي عسكر) . وكان يرافق السلطان وقادة الجيش في فتوحاتهم.

وكانت الدولة العثمانية مقسمة إلى ثلاث مناطق عسكرية قضائية:

1-قضاء عسكر الروملي (أوربا)

2- قضاء عسكر الاناضول ، وقضاء عسكر العرب (العراق والشام وفلسطين ولبنان)

3- قضاء عسكر مصر (وشمال أفريقيا)

الحسني وحركة الجهاد 1914

من الغريب أن الحسني يتحدث عن اعلان الجهاد من قبل العلماء الترك ، وأن عرب العراق قد التزموا بهذه الفريضة. ويضيف (لاسيما بعد أن أيد هذا الإعلان علماء الدين على اختلاف درجاتهم ، وتباين نزعاتهم) ، وهذا غير صحيح إطلاقاً.

ففي العراق لم يصدر أي فقيه سني في بغداد أي إعلان تأييد أو إصدار فتوى ضد الاحتلال البريطاني عام 1914 . أذكر منهم كبار العلماء:

1-عبد الرحمن الكيلاني ، نقيب الاشراف

2- محمد درويش الآلوسي ، عضو مجلس إدارة بغداد

3- نجم الدين الواعظ ، قاضي بغداد

4- أمجد الزهاوي ، كبير علماء بغداد

5- محمد سعيد النقشبندي أحد علماء بغداد

٦- محمد شكري الآلوسي أحد علماء بغداد ثم صار وزيراً للعدل في حكومة الاحتلال.

7- علي الآلوسي من اتحاد الولاية (أنجمن ولاية)

8- قاسم القيسي مفتي الجزيرة في الموصل

9- عثمان الدواجي عضو مجلس الأوقاف في الموصل.

10- كما لم يشارك في حركة الجهاد (1914-1915) السياسيون العراقيون وأعضاء البرلمان العثماني مثل: يوسف السويدي والد ناجي وشوكت ، مصطفى الواعظ ، رافع السنوي ، عبد المحسن السعدون ، عبد المجيد الشاوي ، مراد بيك سليمان أخو رئيس الوزراء حكمت سليمان، محي الدين الكيلاني ابن عبد الرحمن النقيب.

وللأمانة العلمية وجدتُ قاضياً سنياً واحداً اتخذ موقفاً ايجابياً من إعلان الجهاد العثماني. فقد أصدر محمد أديب الجراح القاضي في محكمة الاستئناف في الموصل فتوى بالجهاد ضد البريطانيين بعنوان (رسالة الجهاد على فتوى خليفتنا الأعظم السلطان غازي محمد رشاد) وقد صدرت في مطبعة نينوى بالموصل عام 1914.

من الغريب أن يتجاهل عبد الرزاق الحسني فتاوى الجهاد التي أصدرتها المرجعية الشيعية بزعامة المرجع الأعلى السيد كاظم اليزدي وبقية العلماء بعد نزول القوات البريطانية الفاو في تشرين الثاني 1914 واحتلال البصرة. وشارك العلماء الشيعة في ميادين القتال وذهبوا إلى ساحات المعارك أمثال السيد محسن الحكيم ومحمد سعيد الحبوبي والسيد محمد مهدي الحيدري والسيد هبة الدين الشهرستاني وعشرات الفقهاء والعلماء وفضلاء الحوزات العلمية في الكاظمية والنجف وكربلاء. وقد كرستُ كتابي (المرجعية والاحتلال الأجنبي) الذي يتناول الغزو البريطاني للعراق عام 1914 وحركة الجهاد العراقية التي ابتدأت بفتوى المرجع الأعلى السيد كاظم اليزدي بإعلان الجهاد الدفاعي. وقد دعمتْ وأيدتْ وتطوعتْ العشائر العراقية. وحدثت معارك يقودها علماء الدين وزعماء العشائر ، لكنها لم تستطع التفوق على الآلة العسكرية البريطانية.


مشاهدات 90
أضيف 2025/07/12 - 1:47 AM
آخر تحديث 2025/07/12 - 11:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 358 الشهر 7175 الكلي 11160787
الوقت الآن
السبت 2025/7/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير