بحر العلوم يرعى جلسات حوارية عن إشكال التحوّلات في النظام الدولي
خبراء: العراق يمتلك عناصر قوة تؤهّله لدور فاعل بالمرحلة المقبلة
بغداد - ابتهال العربي
اصدر ملتقى بحر العلوم للحوار، مؤخراً، ملخصاً تنفيذياً للموسم السابع الذي شهد انعقاد خمس طاولات مستديرة فكرية وحوارية رصينة، بمشاركة نخبة من السياسيين، والباحثين والخبراء العراقيين. وتحدثت الجلسات الحوارية بإمعان عن (موقع العراق في خضم التحولات الجارية في النظام الدولي).
تغيير عالمي
وانطلقت هذه الندوات من قناعة بأن (العراق لا يعيش بمعزل عن ديناميكيات التغيير العالمي، بل هو جزء منها، سواء من حيث الجغرافية السياسية، أو الثقل الاقتصادي، أو التوازنات الإقليمية، كما ناقشت المحاضرات موضوعات متعددة تتضمن قراءة نظرية في مفهوم المصلحة الوطنية والامن القومي، مروراً بتحولات موازين القوى العالمية وتداعياتها الإقليمية، وصولاً إلى سبل استعادة العراق لدوره الاقليمي والدولي)، وبرزت ضمن مجمل الطروحات أسئلة مركزية لفتت الى (ماهية امتلاك العراق رؤية استراتيجية واضحة، كيف يموضع نفسه بين الشرق والغرب، ما السبيل لبناء قرار سيادي داخلي يعزز الدور الخارجي، وهل يمكن للعراق أن يكون فاعلاً في المعادلات الدولية؟)، وجاءت المحاضرات الخمس لتشكل مساراً تحليلياً متكاملاً، يدعو إلى (تجاوز الدور التقليدي، وإعادة تعريف مكانة العراق في بيئة دولية متعددة الاقطاب تتسارع فيها التكتلات، وتُعاد فيها صياغة مراكز القوة والنفوذ، ويأتي هذا الحراك في لحظة مفصلية يمر بها النظام الدولي، حيث تتغير توازنات القوة التقليدية، وتتعدد مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي، وتزداد الحاجة إلى أدوار وسيطة وفاعلة من دول الطوق الثالث، ومنها العراق)، وسلطت المحاضرات الضوء على (موقف العراق من هذه التحولات، وعلاقته بالقوى الكبرى، وإمكاناته الذاتية، وموقعه كوسيط إقليمي، مع التركيز على المصلحة الوطنية كمرتكز لتحرك خارجي فاع، الى جانب التشخيص العام للواقع العراق)، فقد أجمعت الرؤى المختلفة على أن (العراق لايزال يواجه أزمة في تحديد دوره الاقليمي والدولي لعدة أسباب تتعلق بضعف وضوح الرؤية الاستراتيجية في السياسة الخارجية، تشظي القرار السياسي بين مراكز متعددة، عدم وجود صوت مو ّحد باسم الدولة، الاعتماد المفرط على الموارد الريعية، مما يُضعف مناعة القرار السيادي ويُبقي الاقتصاد تحت رحمة الاسواق الدولية، الارتباطات الفئوية الاقليمية لبعض القوى الداخلية التي تحّد من قدرة العراق على التموضع كوسيط نزيه وفاعل)، وركز الخبراء على (أهم المسارات المقترحة، وهي إعادة بناء الرؤية الاستراتيجية العراقية المتضمنة تطوير مفهوم المصلحة الوطنية بصيغة شاملة، التحول من ردود الفعل الدبلوماسية إلى سياسة خارجية استباقية، تعزيز المكانة الإقليمية للعراق، وجود قرار سياسي مركزي موحد، بناء مؤسسات دبلوماسية مرنة ومحترفة، تأسيس مراكز دراسات استراتيجية مستقلة، تحقيق التوازن بين القوى الكبرى، تبني صيغة تعدد الشراكات بدلاً من التبعية لمحو الانخراط في منظومات دولية متعددة، تفعيل القوة الناعمة العراقية، توظيف التنوع الثقافي والديني للعراق للتأثير الخارجي، دعم المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والاعلام)، كما تضمنت الحواورات توصيات تنفيذية لصنّاع القرار شملت (إعداد وثيقة وطنية للسياسة الخارجية تُعرض على البرلمان وتُناقش مع مراكز البحوث، إعادة هيكلة وزارة الخارجية ومعهد الخدمة الخارجي، اطلاق برنامج العراق الوسيط بالشراكة مع منظمات دولية، ربط السياسة الخارجية بالتنمية عبر مشاريع اقتصادية وجيوسياس شرط توافقها مع السيادة الوطنية، ضمان وحدة الخطاب السياسي والعلمي في القضايا الدولية الحساسة). واستعرض الدكتور محسن عبد العزيز الحكيم في محاضرته، دور العراق في النظام الدولي الجديد بين السيادة والتحول العالمي، (أهمية تحديد المصالح الوطنية التي تمثل أساس الامن القومي، ومنها السيادة والاستقلال السياسي، والازدهار الاقتصادي، ووحدة التراب الوطني، والردع العسكري)، وركزت المحاضرة على (التحولات الكبرى التي شهدها النظام الدولي، بدءاً من النظام الثنائي القطبية إلى النظام المتعدد إبان الحرب الباردة، إلى الاحادية القطبية بزعامة الواليات المتحدة، وصولاً النظام الذي يتشكل اليوم مع صعود الصين)، وسلط الحكيم الضوء على (المشروع الصيني اقتصادياً ذا طابع عالمي يتحدى الهيمنة الغربية، الحزام والطريق بوصفه مشروعاً حضارياً يهدف إلى السيطرة على طرق التجارة وتعزيز النفوذ الصيني عبر القوة الناعمة والاقتصادية، مع دعم عسكري تدريجي)، مشيراً الى (المقاربات الاربع التي يمكن للعراق أن يتبعها، وهي التوجه نحو الغرب، أو نحو الشرق، أو إلى كليهما، أو تشكيل مشروع حضاري سلمي مستقل)، كما ناقشت المحاضرة عدة قضايا منها (الطاقة، النقل، والتقنيات الحديثة كالذكاء االصطناعي والرقمنة)، وخلصت إلى أن (العراق رغم التحديات البنيوية في داخله، يمتلك عناصر قوة تؤهله للعب دور فاعل في المرحلة المقبلة إذا توفرت الارادة والاستراتيجية). بدوره، بين الدكتور نوفل أبو الشون، الاطار المفاهيمي للنظام الدولي ومكوناته وأشكاله المختلفة، قائلاً ان (النظام الجديد في طور التشكل يتجه نحو التعددية القطبية مع صعود الصين عبر التاريخ)، وركز المحاضر على (عناصر التأثير والنفوذ للدول في النظام العالمي المعاصر)، لافتاً الى ان (القوة لم تعد عسكرية فقط، بل تشمل الاقتصاد، الدبلوماسية، التكنولوجيا، البيئة، الفضاء، الامن الغذائي، والتحكم في الامداد).
أدوات مركبة
وأوضح أبو الشون ان (مراكز النفوذ اليوم تتطلب امتلاك أدوات مركبة من القوتين الصلبة والناعمة، كما ان الدول الصغيرة والمتوسطة أصبحت تؤدي أدواراً ذات تأثير متنامي بفضل الدبلوماسية النشطة، والانخراط في التحالفات الاقتصادية والبيئية والثقافية)، متحدثاً عن (مساهمة العراق التاريخية في تشكيل عدد من التكتلات مثل جامعة الدول العربية، منظمة التعاون السلمي، حركة عدم الانحياز، منظمة أوبك، وحلف بغداد)، واعتبر ان (المشاركة في هذه الاطر عكست محاولات العراق للتموضع في سياق التغيرات الاقليمية والدولية)، منوهاً الى (مواجهة العراق عوائق بنيوية تحول دون تفعيله لدوره الدولي، أهمها غياب الاستقرار السياسي، الانقسامات الطائفية، الفساد المالي والاداري، الاعتماد المفرط على النفط، هشاشة البنية التحتية، تدهور التعليم، تحديات بيئية ومناخية، تدخل إقليمي، وغياب الرؤية االستراتيجية بعيدة المدى).