قراءة في توازنات السلطة وتأثيرها على القرار السياسي
مجيد الكفائي
تشهد الساحة السياسية في العراق تحوّلات معقدة تُعيد طرح سؤال جوهري حول حدود استقلالية رئيس الوزراء في مواجهة القوى المؤثرة داخل الإطار التنسيقي.
فبينما يَفترض النظام السياسي أن يمتلك رئيس الحكومة مساحة كافية لاتخاذ القرار وتنفيذ البرامج، يرى كثيرون أن الواقع العملي يضعه في دائرة ضغوط متعددة من أطراف تسعى إلى توجيه مسار الحكم بما يخدم مصالحها السياسية.
وفي ظل هذا التشابك بين النفوذ الحزبي ومتطلبات الدولة، يتصاعد الجدل حول ما إذا كان رئيس الوزراء يمتلك فعلياً القدرة على إدارة البلاد وفق رؤية وطنية مستقلة، أم يجد نفسه مجبراً على التكيّف مع إرادة القيادات التي شكّلت دعائم وصوله إلى المنصب
و تنبع الإشكالية الأساسية من طبيعة التوازنات التي تحكم تشكيل الحكومات في العراق، حيث يعتمد رئيس الوزراء غالباً على دعم الكتل الكبرى داخل الإطار التنسيقي للوصول إلى المنصب وضمان تمرير حكومته وبرنامجه الوزاري.
هذا الارتباط السياسي يُفهم على أنه شكل من أشكال التوافق، لكنه في الوقت نفسه يثير سؤالاً حول مدى قدرة تلك القوى على التأثير في إدارة السلطة التنفيذية.
قدرة الإطار التنسيقي على التدخل لا تأتي من موقع فوقي، بل من عدة عوامل واقعية، أبرزها:
الحجم البرلماني الكتل الكبيرة داخل الإطار تمتلك مقاعد مؤثرة في مجلس النواب، ما يجعلها قادرة على دعم أو تعطيل مشاريع القوانين التي تقدّمها الحكومة. هذا يمنحها ورقة ضغط غير مباشرة على أداء رئيس الوزراء.
مؤسسات حيوية
النفوذ داخل مفاصل الدولة
خلال السنوات الماضية، تمكنت بعض الأحزاب من بناء حضور داخل المؤسسات الحيوية عبر التعيينات السياسية أو النفوذ الإداري، ما يسمح لها بالتأثير على تنفيذ القرارات الحكومية أو توجيهها.
التحالفات السياسية المتحركة
النظام السياسي العراقي قائم على التحالفات لا على الأغلبية الصلبة، وهذا يجعل أي رئيس وزراء بحاجة مستمرة إلى الحفاظ على التوازنات منعاً لانهيار التوافق الذي تستند إليه حكومته.
الملفات الأمنية والاقتصادية
بعض الملفات الحساسة، مثل الأمن أو العقود الاقتصادية الكبرى، ترتبط بقوى سياسية تمتلك أدوات تأثير ميداني أو مالي، ما يحدّ من قدرة رئيس الوزراء على التحرك بشكل منفرد.
مع ذلك، لا يعني هذا أن رئيس الوزراء يتحول بالضرورة إلى «أداة» بيد الإطار التنسيقي؛ فثمة عوامل عززت من مساحة استقلاليته في بعض الحكومات، أبرزها الدعم الشعبي، والعلاقات الخارجية، وقدرته على المناورة بين القوى السياسية.
كما أن شخصيته السياسية وخبرته تلعبان دوراً حاسماً في توسيع أو تضييق هامش حركته.
وفي النهاية، يظل السؤال الأساسي مرتبطاً بمدى نجاح النظام السياسي العراقي في تحقيق معادلة تضمن للحكومة قدراً من الاستقلال التنفيذي، وفي الوقت نفسه تحافظ على التوافقات التي تمنع الانقسام السياسي. فالاستقرار في العراق يتطلب توازناً دقيقاً بين إرادة رئيس الوزراء وإرادة القوى التي دعمت وصوله، وهو توازن لم يُحسم بعد بشكل نهائي في التجربة العراقية الحديثة.