الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النحلة

بواسطة azzaman

النحلة

مهند الياس

 

في بيتنا نخلة ، ارى الآن سعفاتها وقد غطت باحة البيت مثل مظلة خضراء وهي ترتفع شامخة لاتأبه بالجدران التي تحيطها من تحت ، وهذا مما حدا بأمي بأن تجلس تحتها في أوقات القيلولة.. تستأنس بجلستها ، فمرة ترتق بعض الثياب،ومرة تحتسي استكانا من الشاي،

واكثر مااراها وقد اضطجعت تحتها ، وتوسدت ساعدها وذهبت في اغفاءة عميقة .. قلت :

- ان علاقة امي بهذه النخلة ، لها سرغامض ؟!

وباغتني أبي بنظرات تخفي وراءها شيئا ًمبهما ً، لكنه صعد عينيه نحو الأعذاق التي إنفرشت فوق الإنحناءات الغليضة للسعف العريض من الاعلى وهي تحمل رطبا اصفرا ناضجا مثل كرات ذهبية صغيرة، اذ تتقافز عليها العصافير

العائدة الى اعشاشها ، وهي تطلق زقزقاتها المعتادة .. قال ابي :

- تيدو أمك متعبة هذا اليوم ..؟!

- ورمقني بإبتسا مة ممتعضة ، وهو يجمل عصاته من منتصفها ، ونظرإلى أمي والتي بدت تطلق شخيرها ، ثم حث الخطى وبعد ان حرك تجاعيده بحركة ابتسامة جافة دخل غرفته وأوصد خلفه ظلفة بابها بقوة !

انظر الى الشمس وهي لازالت تسكب اشعتها الساخنة فتسيل على الجدران والنوافذ والأبواب الخشبية العريضة والبلاطات الحجرية الرطبة التي رصف بها صحن بيتنا القديم منذ سنين ، اذ إخضر بعضها بفعل انتشار الفطريات ونبتت بين شقوقها نباتات قصيرة نتيجة تسرب بعض المياه من الحوض الصغير وسط باحة البيت ... اعتقد ان خيوط شمس القيلولة بدأت تنسحب من بين اطراف البيت ، تاركة وراءها ظلالا ًباهتة متداخلة ، مما وجدت أمي وقد تحركت ببطء وانقلبت الى جانبها الأيمن وراحت تدعك صدغها بقوة بكفها ، ربما داهمتها دبيبة صغيرة او حشرة لاسعة ، لكنها لم تنهض ، مما يبدو انها بحاجة الى نومة طويلة تزيل عنها تعب اليوم ، وتريح جسدها النحيف المتعب والذي بدا وكأنه جذع شجرة متيبسة .

وضعت الصحيفة التي بين يدي جانبا ً ونزعت نظارتي وفركت عيناي باصابعي

باردة خاملة وتاوهت يضجر.. وفي اللحظة بدأ تيار من الهواء يداعب اطراف بعض السعيفات الصغيرة ، وشممت رائحة اشبه برائحة التراب .. قلت : - ربما هي عاصفة ..!

نهضت امي بتثاقل ولملمت عبائتها التي كانت تنفرش على نصف جسدها ، توقفت امامي مليا ً، كما لو كانت تريد شيئا ً، لكنها لم تتكلم ، بقيت صامتة ، ثم تحركت وانحشرت في غرفة ابي ..!

بدأت النخلة ؛ تزدحم بالعصافير، وهي تتقافز بين الأعشاب وتحدث لغطا ًعاليا ً علي غيرالعادة ،، مما اثارانتباهي ، اذ لاحظت ثعبانا ً وقد التف بطريقة حلزونية على احد النتؤات المتيبسة وقد رفع رأسه المثلث الصغير بشكل متأهب ، بينما تجمعت العصافير اكثربشكل لم آلفه من قبل ، وراح صراخها يتردد بين اركان البيت ، وفتحت فمي مشدوها ً، اذ هجمت العصافيرعلى الثعبان بضراوة ، وبعد لحظة لم استطع ان احدد معالمه ، فوجدته معلقا ًمن نصفه .. قلت : - يا إلهي .. لم اشاهد مثل هذا من قبل ..؟!

وعندما حاول الثعبان الإلتفاف على نتوء آخر إرتبك وسقط من فوق وارتطم بالارض فأمسكت بمرود حديدي كانت امي تستعمله لتأجيج النار داخل التنور، وضربته على راسه بقوة ، لكن كما يبدو ان ضريتي انحرفت عنه ، فالتف اللعين على رأس المرود وحاصرت راسه لكنه سرعان ما انفلت ودارت بيني وبينه معركة وفي كل مرة يحاول الإنفلات وبالفعل حاول ان ينسل من تحت قدمي ويغدر بي فقفزت بعيدا ً وضريته فوق رأسه تماما ً بقوة فانشطر رأسه الى نصفين ، حينذاك رفعته من نهاية المرود الى الأعلى ، تمعنت به وهو يتلوى ميتا ً بينما لم ينقطع صوت العصافير التي راح بعضها يدور مرفرفا ًعبر اركان البيت ،، لحظتها ، لم انتبه الى امي التي كانت تقف بجانب ابي وكلاهما ورائي ينظران الي بدهشة .. اقترب مني ابي بهدوء وربت على كتفي .. وقال : - ادفنه يا ولدي .. خارج البيت !!

كان وجهه فرحا ً.. لكن عيناه كانتا وامضتين ..!!


مشاهدات 55
الكاتب مهند الياس
أضيف 2025/11/22 - 3:09 PM
آخر تحديث 2025/11/23 - 12:59 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 68 الشهر 16369 الكلي 12677872
الوقت الآن
الأحد 2025/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير