الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لحظةُ اعتقال

بواسطة azzaman

قصة قصيرة

لحظةُ اعتقال

علي البدر

 

ركنته جانبا. صخب مألوف لباعة متجولين وأيضا لبعض الشباب الذين يقفون قرب تلال من الملابس المستعملة. كل يعلن بطريقته الخاصة. نساء ورجال انشغلوا بتقليب الملابس ، بينما انشغل رجال المرور بتنظيم السير لأجل انسيابية تقلل الزحام. وأنا ذلك الانسان الذي يعشق هذا الصخب وحركات الناس وتصرفاتهم غير المتصنعة التي توحي بعشرات القصص والقصائد والمواضيع التي تغور في عمق هموم البسطاء.

جميل أن ينسى الإنسان أو يحاول أن ينسى همومه وهو يذوب بين تلك الشرائح المكافحة البسيطة والأقل دخلا والشبه محرومة من الرفاهية أو على الإقل الراحة التي نمتلكها. ورغم ذلك نراهم أول المضحين لأجل وطن ربما لم ينصفهم بما يكفي. أجل هذا هو تركيب العراقي الذي يتصف بالكرم والنخوة والتضحية.

وهكذا وجدت نفسي وسط ساحة التحرير منشغلا بتفحص نصب الحرية، ربما للمرة الألف خلال زياراتي المتواصلة.

- تفضل أستاذ. تذوقها إن أعجبتك اسقيك منها.....

- وإن شربت قدحا رغم أنه لم يعجبني؟

- تشرب شيء لم يعجبك. كلام غريبّ!

- صحيح كلام غريب، أستاذ إنت فيلسوف لو شنو؟ قال صاحبه.

- وماذا يبدو علي لكي تنعتني بهذه الصفة؟ هل أن دراجتي الهوائية توحي بشيء؟

- تشرب قهوتنا وتتصورها غير لذيذة. يقولون الفيلسوف يتحدث بالمقلوب.

- لا عليك سأشرب قدحًا من.. من....

- مني يا أستاذ. لا. لا مني. ولا تدفع إن لم يعجبك.

- هاك أشرب. تفضل ولا تتردد بالله عليك. قال هذا بحماس وهو يقدم لي قدحًا فاحت الرائحة اللذيذة من أعماقه.

- قهوة لذيذة تسلم اليد التي عملتها.

- أستاذ اليد وحدها لا تكفي بل النفس الطيبة وأنت نراك رجلا بسيطًا وطيبًا.

- لذلك سأدفع ألفين بدلا من الألف.

- غريب. قدح بألف واحدة فقط. لن نقبل بأكثر منه. قال أحدهم وأضاف. أنت تريد مساعدتنا! ها نحن نعمل والنأكل من عرق جبيننا. هكذا تعلمنا. الحال مستورة والحمد لله.

لحظة صمت سادت. نظر أحدهما إلى الآخر فلمحت لغة صامتة لم أفهم كنهها.

- اشرب إذن.

- حسنًا. شكرا. تفضلا. الأن تستحقان الثمن كاملَا.

- بل أنت من يستحق شكرنا وعرفاننا. احتفظ بالألفين ونعاهدك أننا سنأخذ ما نقدمه إليك في المرة القادمة. أردت مساعدتنا وأنت لا تعرفنا!

- أعرفكم. إنكم أنا. أرى صورتي في عيونكم. كم أنتم طيبون.

- أنت الأحسن. لكن لنا طلب. أن نأخذ صورة للذكرى معا و... ولتتذكرنا ثانية لتشرب القهوة اللذيذة. اندفعا نحوي وشعرت أنني محاصر بينهما. ما هذا؟ هل اعتقال ام ماذا؟

- نعم نحن نعتقلك وبدون أمر قضائي، ولكن اطمئن. غرفة تنبض بالحياة والمحبة. أنت وسط القلب:

-  اطمئن.

- اطمئن.

-  وسط القلب أنتَ.

-


مشاهدات 75
أضيف 2025/07/12 - 3:35 PM
آخر تحديث 2025/07/13 - 4:15 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 116 الشهر 7665 الكلي 11161277
الوقت الآن
الأحد 2025/7/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير