الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
محمود جنداري 

بواسطة azzaman

من ادب السجون

   قصة قصيرة

محمود جنداري 

ظافر جلود 

 

    لم أتعرف عليه جيدا سوى لقاءات عابرة في اتحاد الادباء وربما في لقاءات اخرى في كركوك والموصل عبر مهرجانات فنية وشعرية..

محمود جنداري قاص متفرد يكتب بطريقة تعكس عن المفهوم الاجتماعي للفرد والبحث عن حريته وسط فوضى التعسف والقهر والانغلاق منذ أواسط السبعينات حتى اندلاع نيران الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات التي التهمت الإنسان والفكر وسلطت عبادة الشخص الواحد الأوحد..

الذي كان جنداري يرفضها ويتمسك بالإنسان الحر فيما المطلق

 كان الوقت يميل للظهيرة حينما جاءوا بوجبة جديدة من المحكوم عليهم إلى سجن الخاصة في ابو غريب بعد انتهاء محاكتهم في محكمة الثورة السيئة الصيت..

وانتشر الخبر بين السجناء بان أديبا وقاصا من بينهم..

ذهبنا وانا والفنان عبد الوهاب الدايني للاستفسار عن الاسم وسألنا الحرس خالد المتعاطف مع السجناء الذي كان بيده مفاتيح دار الضيافة المتهالك وسجل السجناء الجدد..

فعدد لنا الأسماء ومن بينهم اسم محمود جنداري والمحكوم بالمؤبد (20) سنة.

استأذنا من الحرس خالد ان نكلمه للحظات.. نادى خالد..

منو محمود فجاء شخص قد هزل بوجه شاحب وشعر ابيضّ كث.. لكنه ذو اصرار وعزيمة على تحمل الصدمات..

كان هدوئه المميز وروحه العالية الطيبة وصبره الطويل وضحكته الحزينة ودماثة أخلاقه ونقاء قلبه الصافي يحملان الآمال بالنجاة.

أنه أحد رموز القصة القصيرة في العراق وقد اسس مع نخبة من ألمع الكتاب الذين برزوا فترة الستينيات لأدب قصصي عالي الجودة في خارطة الأدب العربي.

اقتربنا منه وبذات بعض ملامح السعادة على محياه وسألناه عن حاجته في حجرة ضيقة مزعجة.

شكرنا وطلب على استحياء قدح شاي ان أمكن..

 تعجلنا بتحقيق مطلبه.. وأرفقنا مع الشاي (لفة) بيض لسد حاجته من الجوع.

بعد يومين انزل جنداري إلى القاعات المفتوحة في سجن الخاصة.. وبدا يأخذ بعض الشيء من استقراره النفسي والمعنوي..

وجنداري كان ضمن مجموعة من ضمنهم الشهيد الروائي حسن مطلك وهو ابن مدينته الشرقاط وضباط برتب كبيرة اتهموا بمحاولة انقلاب على رأس النظام العراقي في تلك الفترة، فحكم على حسن مطلك بالإعدام ونفذ الحكم فيه!

 بينما نجا محمود جنداري من المقصلة، لكنه لم يتحدث مطلقا او يذكر الاسماء تحاشيا لرعب مزمن من المخابرات، حيث مكث هناك للتحقيق أكثر من سنة بين تعذيب وغرف حمراء وزرقاء.

 لكنه كان يلمح كونه قاصا ومبدعا عن همومه وشجونه ليكشف محمود عن التعذيب الذي تعرض له في أقبية سجن المخابرات الملحقة بسجن بأبي غريب.            

 ولد القاص الراحل محمود جنداري في مدينة الشرقاط/ نينوى عام 1944 وتوفي في 14 تموز 1995 إثر نوبة قلبية.

بعد أن حكم عليه بالسجن عشرين سنة بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم لكنه لم يبق في السجن إلا سنتين ونصف خرج بعدها ليبقى مريضا ثم يتوفى في ظروف غامضة على فراشه في مدينة كركوك.

كان لسجنه ومن ثم لموته المبكر تأثير على الادباء الذين يعرفونه مبدعا وانسانا لا يتعامل مع الأدب إلا في إطار الابداع.

ولم يقف معه آنذاك سوى من ذوي المواقف المشرفة..

 للقاص محمود جنداري ميزة لم نجدها لدى قصاصين عراقيين سواء أكانت في المواقف أم في النتاج القصصي. وهي جدية ووضوح التعامل مع الآخر على مستوى العلاقة الشخصية وجدية ومسؤولية بناء النص القصصي حيث يخضعه إلى مختبر عملي لفترة طويلة.

 وكلتا الحالين نجد محمود جنداري فيهما متقنا ومبرزا. حين ظهرت مجموعته القصصية الأولى” أعوام الظمأ” 1969 كانت القصة القصيرة ما تزال تحتمي بأثواب الواقعية التسجيلية لأحداث وشخوص معاشه ومعروفة.

 فكان إلى جوار عدد من القصاصين المجددين مثل جمعة اللامي ومحمد خضير وجليل القيسي ومحي الدين زنكنة واليوم القاص والروائي شوقي كريم وغيرهم يحاولون الخروج على تقاليد القصة القصيرة التقليدية، من خلال تحويل الواقعة الاجتماعية إلى صورة تحتمل الغرابة والادهاش والمألوف.

    تهمة جنداري انه خائن وهي تهمة جاهزة لنظام دمر العراق ونفسه..

لكن في حقيقة الأمر انه كان معارضا للدكتاتور ولو بصمته ولحرب خسر فيها العراق كل شيء.. .

من هنا يأتي تناول محمود جنداري للتاريخ ليس لإعادة صياغته أو إنتاجه، بل روية الحاضر كنواة مضمرة من تاريخ مضى.

فمثلا الحرب التي دخل العراق فيها لسنوات طويلة لم تكن نتيجة لمشاحنات حدودية بين دولتين، بل هي نتاج غير مرئي للعقلية المهيمنة المعتمدة على قوة الاستبداد العقائدي.

تلك العقلية التي ترى في امتياز شعب وتاريخ معين على شعب آخر وتاريخ آخر. بمثل هذه الرؤية الاستيطانية للتاريخ. تعامل محمود جنداري مع أحداث الحرب ومن خلال شخصية رئيس متهور قاد شعبه الى الهلاك

من مجموعتي القصصية " مذكرات سجين سياسي 2 "

 


مشاهدات 74
الكاتب ظافر جلود 
أضيف 2025/10/28 - 3:15 PM
آخر تحديث 2025/10/29 - 4:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 153 الشهر 19622 الكلي 12159477
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير