ماء يفسر بماء

فراس الحمداني

يقال ان احد العلماء كانت قد أوكلت اليه مهمة تفسير معنى ( الماء ) في معجم لغوي فعكف لفترة زمنية طويلة و كتب صفحات كثيرة يصف فيها صفات الماء ولونه وطبيعته ثم خلص في النهاية الى ان الماء هو الماء ! .. ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة و التي تطلق على من يتعب في الكلام دون ان يأتي بجديد او يقدم شيئا مغايرا» لما هو معروف سلفا» ( وفسر الماء بعد جهد بالماء ) .

 واليوم ونحن على اعتاب الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة تبدو هذه المقولة اكثر حضورا» من اي وقت مضى فالكثير من المرشحين الذين يأتون بقوة نحو المشهد الانتخابي لا يختلفون كثيرا» عن اولئك الذين سبقوهم في الدورات الخمس الماضية الوجوه تتبدل احيانا» لكن اللغة ذاتها تتكرر والوعود نفسها تعاد بصيغ جديدة اما النتائج فتبقى كما كانت .. ماء يفسر بماء .. ففي خضم الحراك الانتخابي والدعاية المتزايدة نسمع ذات الشعارات التي حفظها المواطن عن ظهر قلب سنعمر سنبني سنحارب الفساد سنوفر فرص العمل وهي عبارات تكاد تكون نسخا» طبق الاصل مما سمعناه منذ عام 2005 وحتى اليوم عبارات يرفعها المرشحون في كل موسم انتخابي مدججين بخطابات الامل الوهمي ومتسلحين بعبارات الاصلاح والتغيير وكأنهم لم يكونوا جزءا» من المشهد ذاته الذي اوصل البلاد الى ما هي عليه .

ولكن و ما ان تطوى صناديق الاقتراع وتعلن النتائج حتى تتبخر تلك القوة الدعائية في هواء السياسة الثقيلة .. سرعان ما يتحول المعارض الثائر الى عضو داخل المنظومة التي كان يتوعدها وينتقل من خطاب الثورة الى خطاب التبرير ومن وعود الاصلاح الى تبريرات الواقع وهكذا يصبح كل ما قيل في زمن الحملة الانتخابية مجرد فقاعة كلامية اطلقت لتخيم على الفضاء العام لا اكثر .

المفارقة المؤلمة ان المواطن العراقي ما زال يمنّي النفس بوجوه جديدة تحمل نفسا مختلفا لكنه يجد نفسه في كل مرة امام نفس المشهد ماء يفسر بماء ووعود تعاد صياغتها بلغة جديدة دون اثر ملموس على الارض .

ان المطلوب اليوم ليس تكرار الشعارات ذاتها بل اعادة تعريف العلاقة بين الناخب والمرشح بين القول والفعل بين الشعارات والتنفيذ فالعراق لم يعد يحتمل مزيدا من التفسيرات الكلامية بل يحتاج الى من يترجم الوعد الى انجاز والنية الى فعل والاصلاح الى واقع .. فما لم تتغير العقول قبل الاسماء سيبقى المشهد السياسي العراقي يدور في ذات الحلقة مرشحون جدد .. شعارات قديمة ونتائج تفسر الماء بالماء .