شعارات من زمن الطفولة إلى زمن التضليل
أحمد جاسم ألزبيدي
في مدينتنا الطيبة كبقية مدن العراق، كان الصبية يملؤون الأزقة صخبًا وضحكًا، يلعبون “الطوبة” و”الدعبل” و”خطة الحجلة” و”المصراع” و”الكعاب”، قبل أن يظهر جيل “الأيباد” و”البلي ستيشن” و”اللاعب الافتراضي الذي لا يتعرّق”. كنا نحن أبطال الشوارع الترابية، نختلق الألعاب كما نختلق الشعارات، نردد كلمات لا نعرف معناها لكننا نهتف بها من قلوبنا وكأنها بيانات ثورية من زمن مجهول. أذكر أن إياد السيد طارق، إن كان ما زال حيًا فله طول العمر، وإن غاب فله الرحمة، سمعت منه أول شعارًا لا يُفهم إلى يوم الدين:
“أويلاه على الشگر بروگه!”
تخيلوا... لا أحد فهم معناها لا في حينها ولا بعدها، لكنها انتشرت في المحاويل كما تنتشر اليوم الوعود الانتخابية على الفضائيات: بسرعة البرق وبدون مضمون! مرت السنين، وكبرت الشعارات معنا... لكن بدل أن نصيح “أويلاه على الشكر بروكه” في الحارة، صار السياسيون يصيحون “نحو غدٍ مشرق”، و”مع المواطن دومًا”، و”الإصلاح خيارنا”، وكأننا في مهرجان للأوهام لا للحقيقة. الفرق الوحيد أن شعاراتنا نحن الصبية كانت بريئة، بينما شعاراتهم اليوم مموّلة من جيوب الفقراء.
تأمل معي أيها القارئ العزيز: المرشح الذي يقسم بأغلظ الإيمان أنه فقير، يسكن بيت إيجار، لا يملك راتبًا، ومثقل بالديون، هو نفسه الذي يملأ الشوارع بلافتات تكلّف أكثر من ميزانية بناء مدرسة ابتدائية، ويتعهد بمحاربة الفساد وكأنه لم يتدرّب عليه منذ المهد!
يقول لك أحدهم في حملته:
“سنحوّل العراق إلى جنة ! ”
وأنا أقول له:
حوّل كوخ احد الفقراء أولاً إلى جنة، بعدها اكمل البقية ! أما آخر، فتراه يوزع وعودًا وصكوك اراض مثل حلوى العيد، يضعها في عقول الناس ليكسب التصفيق، وهو يعلم أن أول قرار بعد فوزه سيكون الخمط والتغليس عن الوعود.
نعم يا سادة، نحن جيل “أويلاه على الشگر بروگه ”... على الأقل كنا صادقين في جهلنا بالمعنى، بينما اليوم كثير من السياسيين يعرفون جيدًا ما يقولون... لكنهم لا ينوون فعله.
كنت أعود مساءً من اللعب وأرى على جدران حارتنا عبارات كتبت بالفحم: “النصر لنا” و“االموت للعدو”، واليوم نفس الجدران وعليها شعارات ، لكن الشعارات تغيّرت: صور مبتسمة، وشعارات منمقة، وألوان صارخة، كلها تعدك بـ»الإصلاح والتغيير».
الفرق الوحيد أن خربشاتنا كانت تُغسل بالمطر... أما شعاراتهم فلا تمحوها إلا الانتخابات القادمة — أو فضيحة جديدة !