الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العربنجي .. ذاكرة الموصل

بواسطة azzaman

العربنجي .. ذاكرة الموصل

فاروق الدباغ

 

في أزقة الموصل القديمة، حيث الحجارة تحفظ رنين الخطوات كما تحفظ الأمهات أسماء أبنائهن، كان العربنجي جزءًا من النبض اليومي للمدينة. ذاك الرجل الذي يقود عربته الخشبية، يجرها حصان أو بغل أو حمار، يسابق الفجر ليحمل الخبز أو الفحم أو ركّابًا يودّون عبور الجسر الحجري إلى الجانب الآخر من المدينة.

لم يكن العربنجي مجرد مهنة، بل رمزًا لزمن اتّسع فيه الكدح للكرامة، والبساطة للبهجة. كان يعرف شوارع الموصل كما يعرف راحة يده، يحفظ وجوه الناس، ويناديهم بأسمائهم. كانت عربته، المجللة برنين الأجراس ورائحة القش الطري، جزءًا من ذاكرة المدينة البصرية والسمعية، قبل أن تبتلعها ضوضاء السيارات ودخان الإسفلت.

لكن المدن الحية لا تموت، بل تغيّر جلدها وتحنّ إلى ماضيها حين يضيع وجهها. لذلك فإننا ندعو محافظة نينوى، ومجلسها البلدي، وهيئاتها الثقافية والسياحية، إلى أن تنظر إلى هذه المهنة العريقة لا كذكرى، بل كفرصة لإحياء التراث وتحريك السياحة الثقافية.

في فاليتا، عاصمة مالطا، وفينا، عاصمة النمسا، أعادت السلطات الحياة لعربات الخيل القديمة لتصبح وسيلة أنيقة وساحرة لنقل الزوار بين الأزقة التاريخية. فما المانع أن نرى مثل ذلك في الموصل؟

لماذا لا تُخصَّص ساحة تراثية قرب شارع نينوى أو منطقة الغزلاني أو باب الطوب، تنطلق منها عربات صغيرة بإدارة شبان موصليين بملابس تراثية، تنقل الزوار في جولة تحكي حكايات المدينة؟

إن إحياء مهنة العربنجي ليس ترفًا ولا حنينًا فارغًا، بل استثمار في الهوية. فكل صوت عربة سيعيد للموصل نبضها الإنساني الذي حاول الدمار أن يطفئه.

الموصل لا تحتاج إلى مشاريع ضخمة كي تنهض، بل إلى لمسة ذاكرة، وجرّة حنينوعربة عربية تمضي ببطء في شوارعها، لتقول للعالم: ما زلنا هنا، وما زالت المدينة حيّة.


مشاهدات 69
الكاتب فاروق الدباغ
أضيف 2025/10/29 - 1:58 AM
آخر تحديث 2025/10/29 - 5:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 191 الشهر 19660 الكلي 12159515
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير