الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السلام حناء الذاكرة

بواسطة azzaman

السلام حناء الذاكرة

منير حداد

 

الميل للسلام والحياة الوادعة، فطرة إلهية في البشر، تنطلق من نقطة الصفاء الملائكي في ذات الإنسان؛ لأن غالباً ما يتلاشى الغيظ ويتجدد نوع من رضى يمحو عثرات الزعل ويمد طرق ود سالك من دون مطبات ولا تخسفات ولا... شيء سوى الرحمة والإنسانية تمت بصلة متينة بيننا ومن تجمعنا معهم أقدار لا مسماة.. معظمها مصنف Sociology ضمن تبويبات الحاجة للأنس بين البشر، كما يسميها المفكرون «غريزة المقهى» أي أننا يمكن ان نعد في بيوتنا شاياً أفضل من الذي نحتسيه في المقهى، لكننا ندفع عن طيب خاطر ثمن إحتسائه بين الآخرين.. متفردين.. على طاولة لوحدنا أو مع من نختاره كي نتوحد معه «أجلس بين الجمع  على مقعدي وحدي».

هكذا تتبلور خصوصيتنا من الحدود الفاصلة بيننا ومن نلتصق بهم، في معادلة مركبة نفسياً، حيث نريد أناساً نتقرب منهم ونقربهم منا ونتقرب بهم الى الآخرين ونشجع الآخرين على أن يتقربوا لنا منهم، شريطة أن نبقي مسافة حميمة بيننا وأياهم، حسب قواعد الأتيكيت، وأنّا نلتصق على ألا يمحي أديم بشرتنا إمتزاجاً بجمالهم إن كانوا نساءً وخشونتهم إذا هم رجال!

تلك التلقائية المعقدة، تفسر نفسها كحتمية وجودية تشدنا الى الناس مثلما تشد الشمسُ الكواكبَ إليها، إذا دنت تحترق وإذا إبتعدت تتجمد برداً، وتلك هي مهمة الأفلاك الكونية التي أوجدها الرب في الفضاء ونسجنا على نفس النول خلقاً، والتي يسميها كبلر «موسيقى الأفلاك».

كل إنسان تحيط به هالة نور مغناطيسية، تميزه عن سواه بنغمة صوت وإيقاع كلام وإيماءات حركية وقاموس لغوي خالص الخصوصية، فمن توافقت معطيات هالتيهما.. توافقوا، ومن تنافرت هالتاهما.. تنافروا.

وثمة أناس نزعل منهم لأسباب يطول جردها وبنفس قياس طول الجرد، تمتد إنفعالاتنا في توجيه التهمة وتبرير ردة فعلنا إزاها.. تلك ردة الفعل التي نتخطى فيها حدود المنطق.. غالباً.. تحت تأثر الصدمة، وعندما نصحو نندم بعدة أوجه من الندم!

يشفى الجرح، لكن آثاره لا تندمل؛ ربما... كي لا ننسى الموعظة لكن الحياة تمشي والظروف تمر والأحداث تسير، مع إحتفاظنا بأبعاد الفجوة التي فغرت فاها نتيجة زعل تصالحنا بعده.

الميل للسلم فطرة حضارية نتقمصها على الأقل كي لا نتعب بالتفكير.. كيف ننتقم، حسب فلسفة المفكر السعودي سعد العوضي؛ ننبذ المعركة لنسترخي في أجواء مرهفة لا قلق فيها.. نتجنب العداء عائدين الى صداقة محسوبة بالقطارة بعد جفاء تخللته قسوة أوغل فيها الطرف المقابل أو أوغلنا نحن! خاصة إذا جاء الصد رداً على كرم وإخلاص وصفاء في التعامل على حب الله، منينا منه بما لا يليق بكرمنا وإخلاصنا وصفائنا وتعاملنا على سراط المحبة الإلهية.

جوقة التحفز وإستحضارات الكر والفر قد تأخذنا الى ما لا ننتمي إليه أخلاقياً، من سلوك نستهجنه في الحالات الطبيعية، نرتضيه على أساس علم النفس الذي يبرر الأخطاء بقاعدة «لا تطلب من الفرد أن يكون طبيعياً في ظرف غير طبيعي» وتلك حقيقة، نستطيع إنتشال أنفسنا منها بتخفيف حدة الخصومات ضد من يستفزنا.. أو يخطئ بحقنا «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم» سورة الأنفال الآية 61 على أن يلتزم كلانا حدوده محتفظين بالتحية الحيادية.. صباح الخير.. مساء النور، تهاني في العيد ومواساة بالملمات.

 


مشاهدات 105
الكاتب منير حداد
أضيف 2025/10/11 - 12:45 AM
آخر تحديث 2025/10/15 - 10:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 277 الشهر 9808 الكلي 12149663
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير