المتحف العراقي.. ذاكرة وطن
حاكم الشمري
في قلب بغداد، حيث تتنفس الحجارة تاريخ الحضارات، يقف المتحف العراقي شامخًا كأنه مرآة الزمن. هنا تُروى الحكاية الأولى للإنسان، وهنا تنبض الأرض بأصوات سومر وبابل وآشور واكد كل قاعة فيه تختزن حياة، وكل قطعة أثرية تروي فجر الحضارة الذي أضاء العالم من ضفاف الرافدين.عندما تزور المتحف، تشعر أنك تسير بين صفحات كتابٍ عظيم لا تنتهي فصوله؛ تماثيل، أختام، ألواح طينية، حليّ، وأجنحة رخامية تحرسها العيون البغدادية بحبٍ وإخلاص. ومع ذلك، هناك ما يُؤلم الزائر — حين يجد أبواب المتحف مغلقة بالكامل لفتراتٍ متكررة دون مبررات مقنعة.هذا الإغلاق الكلي لا يحدث في متاحف العالم المتقدمة.ففي باريس ولندن وروما، تُغلق قاعات محددة مؤقتًا للصيانة أو إعادة العرض، بينما يبقى المتحف مفتوحًا ليستمر التواصل بين الإنسان وتاريخه. أما أن يُغلق المتحف العراقي كله، فذلك إضرار بالثقافة الوطنية، وإساءة غير مقصودة لذاكرة العراق الإنسانية.المتحف العراقي ليس بناية تُطفأ أنوارها ثم تُفتح، بل هو ذاكرة وطن ووجه حضارته، وكل يوم تُغلق فيه أبوابه هو يوم يُحجب فيه الضوء عن تاريخنا العظيم.من الواجب أن تُدار عمليات الصيانة أو التحديث بشكل علمي ومدروس، بحيث تبقى القاعات الأخرى مفتوحة أمام الجمهور والباحثين والزوار من الداخل والخارج، لأن رسالة المتحف لا تتوقف عند جدار أو قفل.نريد أن نرى متحفنا مفتوحًا دائمًا، نابضًا بالحياة والزوار والطلاب والباحثين، تمامًا كما هي بغداد التي لا تنام مهما اشتدت عليها الأيام.فالمتحف العراقي ليس مجرد أرشيفٍ للآثار، بل روح العراق الممتدة عبر الزمن، وذاكرة لا تستحق أن تُغلق ولو ليومٍ واحد.