العيد ميثاق الروح مع الزمن
محمد علي الحيدري
العيد ليس مجرد وقفة على عتبة الفرح، ولا احتفالاً يتكرر بملابس جديدة وضحكات تتوزع في الطرقات. إنه لحظة تتكثف فيها المعاني، حيث يتقاطع الفرح بالحزن، والحضور بالغياب، والابتسامات بالدموع التي لا تُرى. العيد، في عمقه، ميثاق بين الإنسان والزمن، وعدٌ بأن نستمر رغم كل ما مضى، وأن نسمح للحياة بأن تتجدد فينا ولو ليوم واحد.
ليس العيد محطة خالية من الشجن، ففيه تتجدد الذكريات، تلك التي لا تغيب مهما مرت الأعوام. هناك كراسٍ فارغة، وأصوات افتقدناها، وأبواب كنا نطرقها يوماً، لكنها باتت مغلقة إلا في قلوبنا. ومع ذلك، العيد لا يطلب منا أن ننسى، بل أن نتصالح مع الغياب، أن نجعل من الذكرى امتداداً للحضور، ومن الحنين نافذة تطل على أيامٍ كنا فيها مكتملين.
في العيد، يلين القلب قليلاً، كأن الأيام تكشف عن وجه أكثر رأفة. نتصالح مع من ابتعدوا، ربما برسالة عابرة أو بنظرة تقول ما لم تستطع الكلمات أن تقوله. نعيد رسم دوائر القرب، ونتخفف من أعباء الخصام التي أنهكت أرواحنا. العيد هو فرصة لنقول: “ما زلنا هنا، رغم كل شيء، ما زال في العمر متسع لأن نكون أقرب.”
إنه ليس يوماً للفرح وحده، ولا للحزن وحده، بل هو لحظة إنسانية كاملة، فيها مزيج من كل ما يجعلنا بشراً. لهذا، حين يأتي العيد، لا نسأل إن كنا سعداء تماماً أو حزينين تماماً، بل نكتفي بأن نعيش تلك اللحظة كما هي، بتناقضاتها، بنقائها، بذلك الشعور العميق بأن الزمن يمضي… وأننا معه، نحاول أن نترك في كل عيد أثراً جميلاً، ولو في قلب واحد فقط.