فاتح عبد السلام
ليس هناك طرف رابح فقط والآخرون خاسرون بالضرورة، هذه التصورات أولية وربما ساذجة عند النظر الى التوجهات التي جاء بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية. الرجل يتطلع الى افق الربح بوصفه أساسا في سياسته، ولكنه لا يمنع الآخرين ان يربحوا أيضا، ولا يستطيع ان يذهب بهذا الاتجاه لو أراد ذلك. نتساءل، مَن الدول لا تسعى الى تحقيق الصفقات الرابحة باستثناء الدول الشمولية او الديكتاتورية أو المنهوبة التي لا يفكر قادتها بسوى ملء جيوب معاطفهم السرية، ولتذهب مصلحة بلدانهم ضحية طمع المتربصين.
مخاطر الفساد التي هددت وضع العراق واعاقت تحوله الى جهة العالم المتقدم بوضعه الاقتصادي واليات عمل مؤسساته، وبنوكه واحدة من الأمثلة، فلا احد يتعامل معها بالعالم إلا في مسارات محددة وتحت عين المراقبة وبعضها غير معترف به لأنه بنظر جهات عدة ومنها وزارة الخزانة الامريكية امكنة للفساد وغسيل الاموال والصفقات التي تدعم ايران الخاضعة للعقوبات.
والسؤال، قد لا ينطبق على العراق كثيرا، هو كيف تتحول اية دولة في علاقاتها مع الولايات المتحدة بقيادة ترامب الى طرف رابح. في النظر الى الدول الغنية ومنها السعودية التي بادرت الى عرض حزمة استثمارات بستمائة مليار دولار وقد ترفعها الى ترليون مليار كما يرغب ترامب، نرى أن هذه الأموال لن ترمى في البحر وانما تؤسس لمرحلة جديدة في بناء بلد وهي فرصة تاريخية قد لا تكون متاحة دائما، فهذا البلد قرر أن يخرج من النطاق التقليدي والاستهلاكي والرتيب الذي غرقت فيه المنطقة الى أفق الإنتاج والتحول الرقمي المواكب لتطورات العالم في الإنتاج الصناعي والعسكري والمجالات الطاقة وعقد المواصلات والممرات البحرية بعبارة أخرى الاستثمار في المستقبل.
مع نشوة ترامب في حصوله على الأموال الكبيرة يجب ان تكون هناك اندفاعة مدروسة لتوظيف، ولا أقول، لاستغلال تلك النشوة في طلب الاسهام الأمريكي في تنمية البلدان التي تحتاج الي الصناعة والدفاع والتكنولوجيا. وفي مقابل ذلك يجب ان تكون في بلداننا أرضية مكتملة العناصر وناضجة وقادرة على التعامل مع الامريكان بطريقة تجني من خلالها المكاسب، فربما لا تقدم الولايات المتحدة على تنفيذ مشاريع نوعية في التكنولوجيا والصناعات في البلدان الأخرى في مراحل أخرى مقبلة، حتى لو توافرت إمكانية الدفع.
هذا في اطار المنطقة، وهنا لا نعرف كيف يفكر مَن يحكم العراق اليوم أو غدا ، وهو يرى انّ مليارات من الاستثمارات تجبر الرئيس الأقوى بالعالم ان يضع السعودية امامه كأول وجهة يسافر اليها بعد بريطانيا. العراق بعد اكثر من عقدين، كان من المفترض ان يتحرر اقتصاده وتتكدس ثرواته المحمية بالقوانين من متربصي الداخل والخارج، لتكون ثروة تضاهي الحماية العسكرية الفائقة وتوفر ضمانات لعيش مستقر لشعبه، تكون سبباً مباشراً لأي استقرار سياسي مستدام. هذا لا يتوافر في العراق اليوم، وهذه عقدة في مسار الاستقرار العميق وقبلها عقدة في العقلية السياسية.