العلاقة بين العدالة الإجتماعية والخوف

حاكم محسن الربيعي

العلاقة بين العدالة الاجتماعية والخوف علاقة عكسية , فأذا وجدت العدالة الاجتماعية لن يكون هناك وجود للخوف , وبالعكس اذا غابت العدالة الاجتماعية , وجد الخوف , وهناك قول شائع ان الملك الذي يخافه البريء ملك ظالم , يقول مواطن ياباني درس اللغة العربية وعلومها  في اليابان في الجامعات اليابانية والعربية وترجم العديد من القصص والروايات العربية , يقول هذا المواطن الياباني  في مؤلفـــه (العرب وجــــــهة نظر يابانية)، لا يوجد لدينا الشــــــخص الذي يهدد الناس ويخيفهم  ليحقق منافع شخصية.

لكن الخوف يوجد في البلدان العربية, حيث الخوف الذي يستفيد منه بعضهم ويوجد كثيرون يستغلون  خوف الناس وهذا مرتبط بغياب العدالة الاجتماعية  في البلدان العربية ,  وما اريد قوله , والقول للسيد ( نوبو أكي نوبوهارا ) مؤلف الكتاب  , ان مواجهة الخوف مختلفة اختلاف  كبيرا بين اليابان والبلدان العربية , نعم  نحن اليابانيين  نخاف  ولكن خوفنا من الزلازل  ومن حوادث  توليد الطاقة .

وأضاف الى ذلك  خوف اليابانيين من أسلحة كوريا الشمالية , والامر مختلف في البلدان العربية , فالمواطن العربي يخاف من ابداء الرأي لغياب حرية الرأي  وأيضا يخاف الانتقاد , ويخشى  من رجال مسؤولين عن بعض الاجهزة المختصة .

 وفي حوار لهذا المواطن الياباني مع الكاتب المصري  المعروف يوسف  ادريس الذي زار اليابان عدة مرات, وهو يقول أبحث عن سر تطور وتقدم اليابان  وسر نهضتها التي أدهشت العالم , مستغربا , بلد صغير ومعزول لكن نهضته مدهشة , وفي زيارته للمرة الثالثة سألته , هل وجدت الجواب , قال نعم , يقول الكاتب يوسف ادريس في اجابته , كنت عائدا الى الفندق وسط طوكيو منتصف الليل ورأيت عاملا يعمل بجد ونشاط دون رقابة ,بل بشعور داخله وكأن العمل وثماره له وحده , عندما يتصرف شعب بكامله مثل ذلك العامل فهو شعب جدير بان يحقق مثل ماحققتموه انتم اليابانيون , وما عرفناه نحن العراقيين خلال دراستنا الجامعية بان اليابانيين يعتبرون مقر العمل هو غرفة المعيشة ولذلك يعملون  بجد واخلاص دون رقابة او قسر.

 ويستشهد هذا المواطن الياباني بحالة الشعور بالمسؤولية وعدمها والانتماء للوطن وعكسه الانتماء للذات , يقول زرت صديقا عربيا في احد الاحياء ولم يذكر اسم  الدولة  , يقول وجدت القاذورات منتشرة في الممرات في الحي ولكني تفاجأت بنظافة بيت صديقي , وهو دليل على الاهتمام بما يملكه الفرد ولكن غياب هذه المسؤولية عن الملكية المشتركة , فنظافة شوارع المدينة هي نظافة للجميع وهي ملك الشعب وكذألك الحال  المحافظة على ماله علاقة بملكية الشعب والتي يحصل منها  على الخدمة العامة هو ملك لكل فرد من الشعب في الدولة المعنية .

صحافة عالمية

ويذكر حالة أخرى انه كان في متحف  عربي على حدود البادية لوحده يتأمل أثار تلك المنطقة  الشهيرة وفجأة ظهر شخص , عرفت فيما بعد انه موظف في المتحف نفسه  وبلا مقدمات تكلم معي بالإنكليزية همسا  لقد كان يعرض علي أن أشتري سرا بالطبع قطعا أثرية , لم أصدق أذني في البداية  لكنه أكد لي بوضوح انه يستطيع أن يؤمن لي قطعا نادرة ولم ينسى  أن يؤكد  اننا لن نختلف على السعر  , حتى الان لا ستطيع ان اصدق ان موظفا اختاره وطنه ليحرس اثاره ومع ذلك فانه يخون ضميره وشرفه وتاريخه ويبيع أثارا تركها أجداده منذ الاف السنين , ولعل القارئ العربي يعرف من الصحافة العالمية فضائح تهريب الاثار العربية الى الخارج وتحديدا الى الدول الغربية , شيء لا يصدق والكلام للمواطن الياباني .

هنا مسألتين أساسيتين , الاولى زراعة ثقة الشعب بحكامه ومسؤولي اجهزته المختلفة المسؤولة  عن تقديم الخدمات العامة في كل مفاصل الدولة , والتعامل مع المواطن على اساس حقوقه وواجباته , وزرع روح التعاون والانسجام  في الاداء والمحافظة  على كل ما له علاقة بملكية الشعب , في المشفى والمدرسة والدائرة والشارع والمتحف وكل ماله علاقة بملكية الشعب , وتمكين المواطن من ابداء الراي والنقد البناء دون خوف ,كما يحتاج الامر الى نشاط توعوي على قطاع التعليم بكل مستوياته  , يركز على المواطــنة والانتماء للوطن والتأخي واستيعاب الاخر على الهوية الوطنية ,وبذلك تكون هناك عدالة اجتماعية فاعلة ومؤثرة من اجل بناء الاوطان .