الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السامرائي بين مقعد امام الشاشة وأطراف الحديث

بواسطة azzaman

السامرائي بين مقعد امام الشاشة وأطراف الحديث

فك طلاسم ان المعلّقات كتبت شتاءً       

صافي العمّال

 

«حين تكون صاحب الدار»المعّزب» وتتجاذب أطراف الحديث مع ضيفك الدكتور مجيد السامرائي»

كان هناك تلٌ أثري في محلة (العزيزية) المجاورة لمحلة (القطانة) اتخذه الناس محطة انتظارٍ للقوافل القادمة من الشام، او الذاهبة اليها من بغداد، وكان الناس يشعلون النار على تلك التلة للدلالة او البحث عن الدفء من زمهرير الشتاءات الصحراوية القاسية، فغطّى الرماد سفوح التلة مما أضفى عليها لوناً رمادياً، فأصبحت مهمازاً لتسمية المدينة بـ (الرمادي) حين تمصيرها في عهد مدحت باشا (1869) بعد ان كانت ضمن ولاية بغداد! والرمادي من وجهة نظر علم النفس هو لون محايد، قد يرمز للغموض أو الحيوية والاتزان ورباطة الجأش والنضج والمسؤولية والاستقرار والمهنية، ورحابة الصدر! ومن ناحية أخرى قد تُعَد الدلالة اللونية للون الرمادي بأنه لونٌ مملٌ ورتيبٌ ومحزنٌ في بعض الاحايين! إلّا أن هناك من له رأي آخر، وتنبأ ان تكون رحلته صوب الرمادي (وردية)، واظنها كانت كذلك لنا ايضاً نحن جمهور الحاضرين في القاعة الفارهة لقائمقامية مدينة الرمادي، في أمسية ليلة أمس احتفاءً بضيف رابطة أهل الرمادي الإعلامي الكاتب المبدع (الدكتور مجيد السامرائي)، الذي تطلق عليه قناة الشرقية الفضائية بـ (كبير المُعدّين والمقدمين)، كان قد شَغِف بالرسم منذ بواكير حياته فأنتظم لدراسته في اكاديمية الفنون الجميلة، إلّا أن السيراميك قد استهواه بعد ان وجد أن هنالك من يرسم أفضل منه على حد قوله! كما عمل في الصحافة والإذاعة والتلفزيون.

 تابعته بشغف منذ عام (1983) عندما قَدَّمَ زاوية مقعد امام الشاشة في جريدة الجمهورية، ثم استوديو المساء، وحوار بلا اسوار، مروراً بحوار في الشريعة، ثم قطار العمر، وشيء ما، وبرنامج « أطراف الحديث» من على الشرقية، الذي أجرى فيه أكثر من (500) حديث على مدى سبعة عشر عاماً! هذا البرنامج الذي كان ولازال في أعلى هرم البرامج الحوارية الثقافية المميزة، التي برع فيها وقدم نفسه محاوراً من الطراز الأول، يستحث ضيوفه ويخلق لديهم شعوراً بضرورة البوح والكشف عن مشاعرهم، وهذا الذي قد يضعه في خانة النفسانيين التحليليين، فهو يمتلك القدرة على العصف الذهني للضيوف، واستبطان ذواتهم، كما انه وعلى حد قوله لا يخشى احداً، ولا تعتريه الرهبة من ايِّ من ضيوفه بمختلف اختصاصاتهم ومستوياتهم، فمنهم من يكون متواضعاً كيّساً لطيفاً ذا عِلم وفير، ومنهم من يجلس منتفخاً في الاستوديو، او يَهرف بما لا يَعرِف، او قد يكون متحدثاً سيئاً! فالسامرائي ليس مُتلقياً فحسب بل هو صاحب رؤية ورأي وثقافة ولغة عالية، يحفظ كم هائل من الشعر، وذو اتزان انفعالي وقدرة مدهشة على الحوار والاحتواء.

في (11 ك1  2011) وصلتني على الخاص رسالة من السامرائي بعد ان استغرب من صورة بروفايلي على الفيسبوك (طالب جالس وقد غطى وجهه وجزء من رأسه بكتاب مفتوح):

«مرحباً .. من انت؟ ولماذا هذه الصورة المضببة عنك! انت تدرس علم النفس من اجل ان تنفتح على الدنيا، وليس من اجل المزيد من الإنغلاقات!» وهكذا أصبحنا انا والسامرائي أصدقاء على العالم الافتراضي، تواصلنا كثيراً عبر مراسلات مُعمقة على الخاص، وكانت له تساؤلات متشعبة ذكية مستفزة احياناً، وعميقة وشائكة ايضا.

اكاديمي وكاتب

وكنت سعيداً بتقديم الاستشارة النفسية في موضوعات حياتية وشخصية متعددة الأوجه. وحين حدثني عن منى يونس بحري، والنية لاستضافة سلوى عقراوي (رحمهما الله) التي كانت حينها في عمّان، وعن موفق الحمداني، وقاسم حسين صالح، سألته يوماً عن اهتمامه البائن باختصاص علم النفس، وحرصه على تحقيق عدد من اللقاءات مع المختصين في هذا المجال، اجابني بأن رغبة الأولى كانت ان يتخصص في علم النفس لكن الدهر قد رماه على الفن الإسلامي!

كانت تشغلهُ أسئلة على شاكلة: لماذا البنات يحققون معدلات اعلى من الذكور في امتحانات البكلوريا؟ ولماذا هُنَّ من ينجحنَّ دائماً في ترويض الحيوانات؟ ولماذا تستهوي بعضنا مشاهدة أفلام المصارعة الحرة؟ ولماذا صدّق الناس فلم نهاية العالم؟ ولماذا ينطبق على العراقيين قول ان عشرة منهم يشجِعون واضعافهم يشِجون؟ تناقشنا في الطبع والتطبع؛ الحُب والكُره؛ وعن الشجاعة والجُبن، المرأة والجمال، وفي التحليل النفسي لسمات شخصيات عديدة، منها تحليل لشخصيته هو، وتحليل سادومازوخية رامز جلال مثلاً؛ وعن آرائنا وانطباعاتنا التي قد تتفق أو تتباين عن مشاهير استضافهم في برنامجه الشهير؛ عادل امام وفرقة «ناجي عطالله»، وبهجت الجبوري، والراحل طالب القرغولي ودوافع إقْدامِه على الانتحار فوق ثلوج السويد البعيدة، وعن الراحل عبد الرزاق عبد الواحد، والراحل احمد راضي، وعن علاء بشير الطبيب الرسام، وعن الدكتور ريكان إبراهيم وتحليله السيكولوجي للمرأة، وعن الفنانة الرائدة ليلى محمد، وعبد اللطيف الهميم، وحكيم شاكر، وعن الشهرة هل هي سلوى ام بلوى؟ وكثيراً ماردد بيت الشعروفي احدى المرات أصبح حائراً اين يضع حاجياته بعد ان اقترحت عليه ان لا يفتح خياط جيب سترته كي لا يفسد هندامه! وكان محبطاً ذات يوم من تعليق الجمهور على صورة نشرها على صفحته تظهر فيها المَظلَّة المَطرية التي يحملها وكأنه يتعكز عليها كعكازٍ لشيخٍ مُسن! ويأتي على ذكر الطقس كثيراً، اذ يعتقد السامرائي ان من يترصدون الانواء الجوية هم أصحاء نفسياً! اقترحت عليه عندما عرض فكرة طبع لقاءات أطراف الحديث في كتاب، ان يضيف الى فحوى اللقاءات انطباعاته، وما جرى في الكواليس، والاسرار والمواقف التي رافقت اللقاء باسلوبه ولغته المحببة الفريدة، اذ سيكون لذلك وقعاً جميلاً لدى القراء، وقد يحاكي فيه كتاب «زيارة جديدة للتاريخ للإعلامي والكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل»

عندما اعتلى منصة القاعة كانت المرة الأولى التي التقيه وجهاً لوجه، لم يكن عبوساً قمطريراً، فقد كان مرحاً ودوداً. وحين حاوره ببراعة المهندس  الدكتور مشعان إبراهيم الهيتي، تكلّم عن حياته وسيرته، وعن الثقافة والاعلام والصحافة، وعن الريف والمدينة، وعن بغداد وعمان، والفن والكتابة، والرياضة وما جنيناه من حسرة من «كاساس»، وعن الجزء الثالث من كتابه « أطراف الحديث – على هامش سؤال: كيف رأيت الدنيا؟»، ولم تستفزه مداخلتي التي اشرت فيها ان المشاهير نرجسيون وهو واحد منهم! ويبدو ان دفء اللقاء قد دفعه الى لومِ نفسه مراراً لارتدائه بلوزة شتوية تحت بذلته الانيقة بذريعة الدفء من البرد المزعوم، اذ ازدادت حرارة أجواء المكان حين استعرض امامنا بديهتهُ الشعرية الموقفية المدهشة، اذ امطرنا شعرناً، فهو بين جملة وأخرى يسمعك بيت شعر فصيح او عامي! وهذا الذي دعاني الى فك طلاسم قول سمعته منه ذات يوم: ان المُعلّقات كُتبتْ شتاءً!

سعدنا بلقائك دكتور مجيد السامرائي، وشكرا رابطة اهل الرمادي، والنخبة الحضور الكريم.


مشاهدات 70
الكاتب صافي العمّال
أضيف 2025/01/13 - 3:15 PM
آخر تحديث 2025/01/15 - 1:16 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 279 الشهر 6768 الكلي 10196733
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير