الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هاشم البغدادي رائد الخط العربي في العصر الحديث

بواسطة azzaman

قامات عراقية خالدة

هاشم البغدادي رائد الخط العربي في العصر الحديث

صلاح عبد الرزاق

 

من محمد بن علي ابن مقلة الشيرازي (886-939 م) الوزير وأشهر خطاطي العصر العباسي ، إلى أبي الحسن علي بن هلال المعروف بابن البواب (ت 423 هـ/ 1032م) الذي كتب (64) مصحفاً ، إلى ياقوت الرومي الطواشي البغدادي (ت 698 هـ / 1299م) ، إلى خالد ابن الهياج الذي كتب في قبلة المسجد النبوي بالذهب ، إلى شرف الدين البوصيري (608-695 هـ / 1211-  1299م) ، إلى آخرين برعوا في الخط العربي خلال العصور الماضية وحتى العصر الحديث.

يأتي هاشم الخطاط البغدادي (1921- 1973) ليبدع ويجتهد في الخط العربي ، فنقله نقلة جعل رونقه وجماله في النصوص التي كتبها ، ورسّخ قواعد الخط العربي فكان رائداً وعبقرياً وفناناً ورساماً ، فأسس مدرسة بغدادية أصيلة نقل إليها الريادة والقيادة في فن الخط بعد أن تولاها الاتراك بما يقرب من خمسة قرون. إذ انتهت إليه جودة الخط وبراعته وجماله ، وأخذ عنه كثير من الخطاطين المعدودين في العراق.  قال عنه الخطاط التركي حامد الآمدي : ولد الخط في بغداد وانتهى فيها.

السيرة والدراسة

في أسرة فقيرة ، ولد هاشم محمد بن الحاج درباس خليل القيسي يوم 24 تشرين الثاني 1921 في محلة خان لاوند ببغداد. دخل الكتاتيب وهو صغير السن ، فتعلم الخط العربي بطريقة تقليدية على يد المعلم الذي يسمى (الملا) الذي يتخذ المسجد أو بيته مكاناً للتدريس والتعليم.

تعلم الخط على يد علي صابر الفضلي الذي كان له الدور الكبير في تطوير إمكانيات هاشم ونبوغه في الخط ، فأجازه في الخط عام 1943. وتعلم على يد الملا عارف الشيخلي الذي أجازه في الخط عام 1943 الذي درّسه في مدرسة الاحمدية ، وختم القرآن فيها.

في عام 1944 حصل على إجازة الخط من الخطاط المصري محمد حسني البابا (والد الفنانتين سعاد حسني نجاة الصغيرة) ، الذي استقبله في القاهرة عند زيارته لها.

في عام 1945 زار مصر لدراسة الخط العربي في مدرسة (تحسين الخطوط الملكية) في الاسكندرية، حيث تبناه الاستاذان الخطاطان سيد حسني وسيد إبراهيم. وحصل على الدبلوم بدرجة امتياز ، وكان ترتيبه الأول.

قال عنه العلامة حسين علي محفوظ : كان هاشم الخطاط – رحمة الله عليه- ثاني اثنين من اعلام الخط في العراق هما: المرحوم (صبري الخطاط) المتوفى سنة 1953 و(هاشم) المتوفى سنة 1393هـ/ 1973م وقد اتفق الخطاطون ومحبو الخط الجميل انهما كانا من اواخر اساتذة هذا الفن البديع.

كما أجازه الخطاط التركي المشهور موسى عزمي والمعزوف باسم حامد الآمدي. وقد أجازه مرتين، الأولى عام 1950 ، والثانية عام 1952. وكانت الإجازة الثانية بمثابة إجازة تقديرية ، وليست إجازة بالمعنى الحرفي. وعند وفاة هاشم الخطاط قال حامد الآمدي قولته المشهورة: ولد الخط وتوفي في العراق. وقال أيضاً: ان هاشم من أحسن خطاطي العالم الإسلامي، ثم قال: نشأ الخط في دار السلام أي بغداد ـ وها هو يعود إليها.

اتخذ من الخطاطين الأتراك مرجعاً فنياً له، وكم كان معجباً بخطوط الحافظ عثمان والسيد محمد شوقي والحاج أحمد الكامل آقديك، وحامد ايتاج الآمدي، غير ان اعجابه بالخطاط مصطفى راقم تجاوز كل حد الى ان أعطى ابنه البكر اسم راقم اعجابا وتقديراً للخطاط راقم. وكان يُكنى باسم أبو راقم الذي يستمتع به.

ويروى أن الآمدي كتب له رسالة مؤرخة بسنة 1371هـ/‏ 1951م، قال فيها (ولدي هاشم محمد البغدادي الخطاط، شاهدت فيك الصدق والإخلاص والمحبة لهذا الفن، الذي لن يندثر ما دام الإسلام باقيًا، وأتوسم فيك أن تكون من أخيار الخطاطين في العالم الإسلامي، فلك أهدي التحيات لما أنت عليه من تقدم دائم).

قال فيه الشيخ جلال الحنفي شعرا:

 لك في النفائس هاشم بن محمد

ما جل في الابداع عن وصف اللغى

حييت فيك بدائع الخط الذي

امسيت فيه وانت اشأى من شأى

فلأنت في ليل الفنون لفرقد

ولأنت في ايامها رأد الضحى

جددت في بغداد سالف سمعة

كانت لها في كل سمع قد وعى

ايام ديوان الخلافة جامع

فيها لأسباب الحضارة والعلى

يزهى بك الخط الانيق وانما

يزهى بذوق فيك غض المجتنى

العمل

-في بداية عمره عمل هاشم في معمل العتاد بوزارة الدفاع لتأمين رزقه ومعاشه ، لكنه لم يترك الخط. إذ راجع الأستاذ الخطاط الملا علي في جامع الفضل الذي تمكن من صقل موهبته.

- في 17 تشرين الثاني 1937 عُيّن في مديرية المساحة العامة.

- بعد عودته من القاهرة افتتح مكتباً للخط العربي عام 1946.

- في عام 1960 عُيّن استاذاً للخط العربي في معهد الفنون الجميلة ببغداد ، رُقّي إلى منصب رئيس قسم الخط والزخرفة الإسلامية في العهد. وبقي في منصبه حتى وفاته في 30 نيسان 1973 .

مدرسة البغدادي للخط العربي

يُعرف على المستوى العربي والإسلامي بإتقانه التام الخط العربي، وبرونقه الجميل، الذي خط به حروف القرآن الكريم، فقد كان عاشقًا للحرف العربي، شديد الغيرة على التمسك بقواعد الخط، ولعل من ميزات خطوطه هو التأكيد على قولبة الحروف، أي إمكانية إعادة كتابة نفس الحرف مرات عديدة بصورة متطابقة تمامًا، وقد برع في تجويد خطوط الثلث والثلث الجلي والتعليق، ويُلقب بنابغة الخط العربي. وله اسهامات كثيرة على واجهات وجدران جوامع بغداد، تضم روائعه الخطية والزخرفية.

ويُعد إنتاج البغدادي الفني ثمرة متكاملة لمجموعة من التجارب الفنية الرائدة؛ لكونه يمثل لوحة فنية رائعة من لوحات الخط العربي، وخلاصة مدارس ومجمع خبرات فنية موروثة استطاع أن يستوعبها ويمزج بينها، ويوحد قواعدها، ليستخلص لنفسه قاعدة هي أقرب إلى القاعدة البغدادية، التي أولع بها، وأتقن أصولها، وأفرد لها حيزًا كبيرًا من فنه، فقد عزز موهبته وحبه وشغفه بالخط منذ طفولته بما رآه من خطوط لأساطين الخطاطين على مساجد بغداد، ومن لوحات جميلة تزين جدران ومحاريب جوامع المدينة. وترك بصمته على الخط العربي عربيًا وإسلاميًا، إذ عرف بإتقانه التام للخط، وبطريقته الجميلة في كتابة القرآن الكريم، ولبراعته الخطية، ولكونه من أهم الخطاطين الذين أولوا موضوع الإتقان عناية بالغة، ولم يقتصر ذلك على نوع واحد من الخطوط كما سبق الذكر، وإنما تعدى ذلك ليشمل أغلب الخطوط المتداولة، وتعد هذه إحدى المزايا التي ميزته مقارنة بخطاطين آخرين تميزوا وبرعوا وأبدعوا في نوع واحد أو نوعين من الخطوط، ولعل هذا ما جعل المتخصصين في فنون الخط العربي يعتبرونه «طودًا شامخًا في أرض التراث، وقلعة من قلاع الحضارة، ونابغة من نوابغ الفن وأساطينه، الذين ينير وجودهم في التاريخ.

قال عنه خليل الواسطي، الخطاط ورئيس قسم التصميم في كلية الفنون الجميلة سابقا، فقال: يقترن ذكر الخط العربي في العراق بذكر الخطاط هاشم محمد البغدادي الذي اصبح علما من اعلام هذا الفن الاصيل، ويعود الفضل في ذلك الى جهوده المتميزة والمبدعة في بعث الروح الفنية الى هذا الفن الجميل بعد ان اصابه شيء من الركود والانحسار خصوصا خلال اواسط القرن الماضي، ومن هنا استحق هاشم البغدادي لقب عميد الخط العربي، فقد امتلك هاشم ملكة فنية ساحرة اهلته لامتلاك ناصية فن الخط العربي في نواحيه الفنية والتقنية والثقافية، وفجرت لديه طاقة الخلق الفني في الاثار الكتابية المختلفة مما ساعد ذلك للانطلاق بالخط العربي من افاقه الفنية الاصيلة ليعيد مكانته التاريخية التي كانت له ابان عصور بغداد الذهبية في زمن ابن مقلة وابن البواب وغيرهما.

واضاف: كان هاشم ومنذ صغره ميالا الى هذا الفن الرفيع، بل كان مولعا به، وبعد ذلك مضى في الارتقاء بأدائه الفني على اصول وقواعد المدرسة البغدادية والذي عرف بالمحافظة عليها في تجويد الخط تجويدا متميزا ساعد في اعادة الروح الفنية الى كيانها.

واشار الى: ان براعة هاشم في اتقان قواعد المدرسة البغدادية منحه القدرة على التفوق والاقتدار، حيث اظهر اعجابه بهذه المدرسة وروادها الاوائل، وحاول بعدها ان يقف على قواعد المدرسة التركية التي اخذت على نفسها تجديد المدرسة البغدادية وتجميل حروفها وضبط اصولها، وقد وصلت المدرسة البغدادية عند مشاهير الخطاطين الاتراك الى اوج رقيها، واستطاع هاشم استخدام القاعدتين بمهارة واتقان ولكن كان همه موصولا في اعادة الحياة الى القاعدة البغدادية وارجاعها الى تكوينها الاصلي (بغداد) والذي ارسى دعائمها ابن مقلة وابن البواب وكل الاقلام الاصيلة التي اخذت دورها في تطوير معالمها وتثبيت قواعدها وتحديد مكانتها، واكد الواسطي: ان اعتزاز هاشم بالخط كان نابعا من اعتزازه بأمته وايمانه بأصالتها والتي برزت في كل اعماله، وقد دفعه هذا الى ان يبذل الوقت والجهد في سبيل تمكنه من الوقوف على اسرار هذا الفن وضبط اشكاله ورسومه.

أما الخطاط روضان بهية التدريسي في قسم الخط في كلية الفنون الجميلة فتحدث قائلا: لم يكن هاشم الخطاط الذي ارهف السمع الى صرير القصب وهو يتسلل الى عصرنا الراهن عبر مئات السنين سوى خطاط مفرط الحساسية لكل ما هو دقيق الصلة بما يمكن ان نسميه بـ (المدرسة البغدادية) التي تتصل عبر تعاقب الاجيال بخطوط ابن البواب وياقوت المستعصمي وصولا الى ابن مقلة الذي يعد اول من اخضع الحروف الى تناسبات جمالية اسسها على علاقات الدائرة بوصفها شكلا هندسيا في غاية الاحكام والتناسب، لقد كان هاشم دائما خطاطا متمرسا انحاز نهائيا الى سلطة القاعدة الخطية التي كانت نتاج جهود تجويدية استغرقت مئات السنين سعيا وراء الشكل الامثل للحروف خاصة في خطي الثلث والنسخ حيث استكملت في الوقت الحاضر كامل ابعادها التطورية حتى انها تبدو وكأنها لم تبق زيادة لمستزيد سوى مساحة الابداع على مستوى التركيب والانشاء في التكوينات الخطية، وهذه مساحة لا تحدها حدود، لقد حسم هاشم الخطاط برؤيته الفنية الثاقبة الجدل بشأن الذي يحدد انتماء خطوطه الى المدرسة العراقية في الخط العربي وليس المدرسة العثمانية بالرغم من تأثره الشديد بمعطيات تلك المدرسة واعلامها من الخطاطين الاتراك الذين اوصلوا فن الخط الى ذروة عالية جدا.

واضاف: ان خطوط هاشم لا تماثل أيا من خطوط الاقدمين ولكنها بمثابة خلاصة اسلوبية وازنت بين كل ما هو قديم ومعاصر برؤية استخلاصيه دالة على عبقرية متفردة ودقيقة ساعدت على اظهارها موهبة ومهارة عالية على مستوى الاحتراف والصنعة.

وفي ختام حديثه اشار بهية الى: ان تراث هاشم الخطاط ثر وغزير ويستحق بالفعل ان يصار الى احياء ذكراه من خلال السعي نحو احياء فكرة تخصيص متحف باسمه في بغداد يجمع اثاره الفنية والمادية من اقلام القصب واحبار واوراق واية ادوات كانت قيد الاستعمال لديه، وتخصيص اسبوع من كل سنة يتزامن مع ذكرى وفاته لإقامة معارض للخط العربي وفعاليات ثقافية مرافقة، واصدار كتاب شامل يوثق حياته واثاره وذكريات عن طلابه ومن عاصروه من الخطاطين، والحفاظ على كراسته من الطبع المشوه والتجاري والكيفي ومحاولة زيادة عليها بطبع لوحاته الملونة طباعة فاخرة ورصينة.

ويقول محمود الوتار، الخطاط وأحد تلاميذ هاشم الخطاط، فقال: هاشم شخصية فذة وجادة وصارمة ومبدعة وفي نفس الوقت هو ذو عاطفة دافئة وروح سامية جدا، يجمع بين العاطفة والعقل، جاد في عمله ومبدع في انجازه وصديق لكل انسان، هاشم.. لم يكن يفتخر بما يعمل واسهاماته لم تكن مادة للإعلام، انما كان يعتبر ذلك من واجباته كخطاط وعراقي واستاذ، واعتقد انه لو قدر له ان يعيش طويلا لقدم انجازات اكبر ولكن الفنان يصطدم بجدار الظروف والاحوال وهذا ما يعيق عمله.

اما الدكتور نصيف جاسم محمد التدريسي في قسم التصميم / كلية الفنون الجميلة فقال: المرحوم هاشم الخطاط هو بلا شك من ذلك الجيل الذي اسس مسارا واضحا لجيل متواصل متصل من الوعي الخطي والجمالي وتشكيل البنية الحيوية للمنظومة الكتابية منذ ان اطل بها ابن مقلة وابن البواب والمستعصي الانيق والجميل الخط، واضاف: احيا هاشم ما احيا مما اندرس من ذلك وبعثه مبعثا اخر، فكانت كراسته الثابتة الحروف واشرطته الخطية ومنها شريط جامع الحيدر خانة المهم الذي يؤطر ويوشح شارع الرشيد ببغداد، فضلا عن نتاجاته المميزة التي اثرت المكتبة الخطية واحالته الى كنز ثر. واختتم كلامه بالقول: كان هاشم البغدادي وما زال قمة الهرم الذي يمتاز به وعينا الجمالي، وسيبقى كما كان تاج بغداد وسراجها الوهاج واسمها المتألق دوما.

وقال الناقد شكيب كاظم؛ كان للبغدادي الفخر بخط القرآن الكريم وحاز على شهادة حامد الآمدي الذي يعد من خيرة خطاطي العصر وكبير خطاطي تركيا، وقد شهد له بالأهلية وهي شهادة ليس وراءها أو أمامها أحد.

وقال عنه الكاتب الأردني فراس خريسات (الراحل الكبير هاشم محمد الخطاط علم من أعلام العراق والعرب. وفنان قلما يجود الدهر بمثله وهو معجزة الخط العربي).

كراسة قواعد الخط العربي

أصدر هاشم الخطاط كراسة بعنوان (قواعد الخط العربي ) عام 1961م. تناول في المقدمة تاريخ الخط العربي وأشهر الخطاطين في بغداد في العصر العباسي ، ثم كتب بخطه الجميل ما يأتي:

الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم ، وجعل التفاهم باللسان والقلم ، وجعل الكتابة وسيلة للاقرار وتبرئة الذمم.

وبعد فقد تعشقت فتن الخط العربي منذ نشأت ، وانصرفت همتي إلى تعلمه ، وضبط قواعده على اختلاف أشكاله وفنونه. وصرفت وقتاً وجهداً كبيرين في سبيل ذلك حتى تمكنت من التعرف على أسراره ، وضبط رسومه وأشكاله.

وقد وجدت إن هذا الفن الرفيع قد أُهمل في بلادنا العزيزة بعد أن كانت بغداد دار السلام منبعه ، وموطن نموه وازدهاره. فقد ظهر ابن مقلة أول خطاط عراقي وضع قواعده وضبط حروفه. وبعده جاء ابن البواب فأضاف بعبقريته إلى رسم الخط الذي كان معروفاً في عهده تحسينات وتنقيحات جعلت خطوطه مضرب الأمثال. وجاء بعده ياقوت المستعصمي الذي اشتهر بتجويده ، وضبط حروفه ، وأرسى قواعده ، حتى أصبح إمام الخطاطين. وقد حفلت المكتبات والمتاحف بخطوط أولئك الرواد الأوائل.

ولم تستطع الفترة المظلمة التي مرت على بغداد أن تطمس معالم الخط العربي ، أو تطفئ نوره. إذ تولاه أفذاذ آخرون في أرجاء العالم الإسلامي ، فأحسنوا صوره ، وأبدعوا في رسومه ، وهذبوا قواعده.

وقد اشتهر من أولئك حمد الله المعروف بابن الشيخ والحافظ عثمان بتعدد أقلامه وأجاد نسخه. وبعدهم مصطفى الراقم الذي اختزل كثيراً من قواعده ، وأبدع فيه بحيث أصبح رئيس الخطاطين في عصره. وتعتبر خطوطه من أروع ما ورثناه من الكتابات العربية. وقد سار على نهج الراقم الخطاطون الذين جاءوا بعده.

ويُعتبر حامد الآمدي الخطاط المعاصر أحسن من خلفه في جمال خطه ، ومتانة قواعده ، وسيطرته على ضوابطه ، ورغبة في إحياء رسوم الخطاطين الأوائل.

فقد حاولنا وضع هذه الكراسة الحاوية على نماذج المراحل العديدة التي مر بها الخط العربي عبر العصور والأجيال ، حتى وصل إلى القمة التي هو عليها الآن. فجاءت حافلة بنماذج من مختلف أنواع الخط العربي المعروفة اليوم.

وقد حرصنا على أن تكون على أحسن وجه من الرسم والدقة والضبط. ورائدنا في ذلك الحفاظ على هذا الفن الرفيع ، والدعوة إلى وجوب الاهتمام به ، واعتباره من أجلى مظاهر حضارة أمتنا العريقة.

ونحن نضع هذه الكراسة بيد الفنان المتذوق أو المتعلم المتعطش ، نرجو أن يكون قد قمنا ببعض واجبنا تجاه هذا الفن. وإذا ما جاءت في الكراسة بعض النواقص والأخطاء ، فإننا نعتذر عن ذلك ، إذ أن الكمال لله وحده. وحسبنا أن تنال ما تستحقه من القبول. (هاشم محمد البغدادي الخطاط)

قال الدكتور حسين علي محفوظ في وصف الكراسة :

(وأما هاشم ، الذي انتهت اليه جودة الخط، واخذ عنه كثير من رجال هذا الفن المعدودين في العراق اليوم ، فقد اهدى الي قبل اربع عشرة سنة في السادس والعشرين من شهر شباط سنة 1964م نسخة من كراسته الجميلة التي اعدها سنة 1381هـ ، وسماها قواعد الخط العربي. ولو كان سألني لاقترحت حذف المقدمة او ابدالها فإنها – وان كانت حسان النماذج - هي دون اخواتها من آثاره القيمة، ولقد كنت اقول دائما: لا أدري لماذا يميل هاشم الى تحديب الميم المرسلة؟ وكنت أنا أفضّل الاسبال والميل الزائد الى الادغام والقلب.

كما كنت أود لو ترك التلويز في هاء (اهدنا) وما زلت ابارك براعته في خط (البسملة) و(وانك لعلى خلق عظيم) و(وعلى الله فليتوكل المتوكلون) و (والله غالب على امره، ولكن اكثر الناس لا يعلمون). وكنت اتمنى لو بسط كاف (لكن) وقوّر راء (اكثر) في النموذج البارع الذي كتبه من هذه الآية.

وكنت اجيل النظر في سورة الحمد التي كتبها بالأبيض والاسود: فاحمد (الحمد لله رب العالمين  الرحمن الرحيم). واود لو خطف راء (لرب) وجمع راء (الرحمن) ويخيل الي انه اجاد جدا كتابة (مالك يوم الدين اياك نعبد واياك) و(غير المغضوب عليهم ولا الضالين) و(ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله) و(الله ولي التوفيق).

وعندي ان (عبدالله) و(يد الله فوق ايديهم) وكلمة (نستعين) و(انك لعلى خلق عظيم) من خيار نماذجه في خط (النستعليق) ، فان النستعليق من اضعف خطوطه، وقد كتب الحمد بما يشبه خط (الشكستة) البسيط، وهو حقا نموذج جميل .. وهكذا.

ولابد من الاشارة – هنا- الى ان علماء الكتابة، ونقاد الخط الذين أدركناهم كانوا يزنون الخط بالدوانيق، ويحسبون المدات، ويلاحظون في صور الحروف وأوضاعها ما كانوا يسمونه (التوفية) و(الاتمام) و(الاكمال) و( الاشباع) و(الارسال) و(الترصيف) و(التأليف) و(التفصيل) و(التسطير)..

وكانوا يدققون في (التقوس) و(الانتصاب) و(الانحناء) و(التسطيح) و(الانكباب) و(الاستلقاء) ونحوها من الصور).

يقول مرتضى الجصاني :

رغم أن الخطاط هاشم البغدادي أطلق على كراسته اسم «قواعد الخط العربي» إلا أنها اشتهرت باسم كراسة هاشم البغدادي، والحديث عن هذه التحفة الفنية يطول لكن نحاول أن نلقي الضوء عليها كمنهج تدريسي وكعمل فني متكامل. إذ يستهل المرحوم هاشم البغدادي كراسه بكلمة يستعرض فيها تاريخ الخط في بغداد وسلسلة الخطاطين من ابن مقلة إلى حامد الآمدي.

إذ كتب المقدمة بخط الإجازة الرشيق الذي عرف به البغدادي والذي يعد من أجمل الخطوط التي كتبها المرحوم هاشم، ثم يستعرض بعض المعلومات التي يحتاجها الطالب في تعلمه لأصول الخط وقواعده الأساسية ثم يدخل على الخطوط الأساسية ويبدأ بخط الثلث الذي كتبه على طريقة الخطاطين القدامى ولكن بروحية ونفس هاشم البغدادي. إذ امتازت خطوط البغدادي بالرشاقة والنظافة والقوة كلها تجتمع لتخرج أسطرا تشبه السلاسل الذهبية ثم ينتقل في كراسه إلى خط النسخ الذي كتبه لغرض وظيفي إذ يمتاز بسمك أكبر ووضوح أدق وهذا يخدم عناوين الكتب والأسماء أثناء الطباعة بحيث تظهر كاملة من دون حذف أو اختلال أثناء الطبع وهو غرض تجاري ووظيفي مهم كان في حينها ضروريا، وذلك لضعف تقنيات الطباعة في ذلك الوقت.

ومن الجدير بالذكر أن كراسة «قواعد الخط العربي» تم طباعتها لأول مرة في بداية الستينات من القرن السابق من ثم طبعت عشرات الطبعات بعضها منقح وبعضها يحوي محذوفات، لكن الأمر الذي يهمنا أن هذه الكراس قد خرّجت مئات من الخطاطين الذين لم يلتقوا بهاشم البغدادي على أرض الواقع لكنهم استنشقوا عبق قلمه وتعلموا على يده وأصبحت هذه الكراس هي المرجع الأهم على مدى عقود من الزمن في تصنيف الحروف وجمالياتها والرجوع إليها إذا التبس خلاف على تفصيلة ما عند الخطاطين. حيث طبعت كراس «قواعد الخط العربي» في وقت لا يتوفر فيه هذا الكم الهائل من الأصول الخطية التي ظهرت مؤخرا وهذا يجعلنا أن نتأمل عبقرية المرحوم هاشم البغدادي في جهوده التي بذلها في سبيل إنتاج منجز فني أصبح منهجا مهما في تعليم الخط العربي وهذا المنجز المهم الذي لا يستغني عنه كل خطاط يتجدد مع مرور الزمن ويتخذ أشكالا متعددة من حيث الروحانية وعبق أقلام هاشم البغدادي الخطاط. أستاذ الأجيال التي تربت على كراسته ولا عجب إذا عرفنا أن أساطين الخطاطين المعاصرين كانوا يتدربون على حروف كراس هاشم الخطاط الذي توفي في عام 1973 لكن حروفه وسواد حبره باقيان ما بقي الدهر.

أعماله في الخط العربي

أهم أعماله:

- اصدر مجموعة في خط الرقعة عام 1946 .

- في عام 1964 أقام هاشم الخطاط أول معرض للخط العربي في بغداد.

- أرسل موفداً إلى ألمانيا الغربية من قبل وزارة الأوقاف العراقية للإشراف على طبع القرآن الكريم في إحدى مطابع ألمانيا عام 1966  ، حيث قام بترقيم آياته وكتابة عناوين السور والأحزاب والأجزاء ، والسجدات بما يتناسب مع القواعد المرعية.

- منحته ألمانيا لقب «بروفيسور»، وطلبت منه حكومتها العمل في متحف هامبورغ وبرلين، لكنه رفض ذلك وفضل العودة إلى وطنه، إذ سافر إلى ألمانيا مرتين موفدًا من وزارة الأوقاف العراقية للإشراف على طباعة المصحف الشريف، وكان آخرها في عام 1970م، ولمدة ثلاث سنوات

- كتب هاشم العديد من اللوحات في الخطوط العربية كافة منها الجلي ومنها الدقيق، والحلي والطغراءات.

- ان أكثر أعمال الخطاط هاشم البغدادي تميزاً بفعل قوة يده وثباتها هي في خط الثلث الجلي، وهو الذي استند إلى المدرسة البغدادية الموروثة عن ياقوت المستعصمي، واستفاد من المدرسة التركية التي طورت آلية الخط، وأدواته، واشكال الحروف والمقاطع والتراكيب، وهذبت من الشكل العام للوحة. وفي هذه اللوحة ذات النص:

(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ...(الإسراء 85) بخط الثلث الجلي المركب بشكل متناظر، فكون شكلا دائرياً جميلاً، وقد وفق هاشم في توزيع الحروف والمقاطع على المساحة المتاحة بعدالة وحسن اختيار في مواقع التشابك. نأخذ كل حرف نصيبه المقسوم له، فتحاشى الإظلام فيما بين الحروف.

 

- عمل في خط الآيات الكريمة على جدران ومحاريب أشهر مساجد بغداد مثل (جامع ابن بنية) في الكرخ ، و (جامع الحيدرخانة) في شارع الرشيد مقابل شارع المتنبي ، حيث يوجد له شريط من أروع ما يكون ، خلفية سوداء وخط أصفر كتبه عام 1970. كما عمل في (جامع الشاوي). وكتب على القاشاني والمرمر في (جامع الشهيد) ، و(جامع عبد القادر الكيلاني) .

- كتب لوحات تتضمن عنوان المؤسسة مثل (المصرف التجاري العراقي) ، وعناوين كتب ، ولوحات مكاتب أطباء وغيرهم.

- طبع بصمته في الخط العربي على العملات النقدية والمعدنية العراقية والتونسية والمغربية والليبية والسودانية.

- له الكثير من اللوحات الفنية في متحف الفنانين الرواد ببغداد، كما كتب عناوين الكثير من الكتب والكتب المدرسية والمجلات ما لا يُعد ولا يُحصى. ؛ الأمر الذي يجعله بحق ثروة قومية نادرة وتجربة فنية رائدة، واستطاع أن يعيد لبغداد مجدها في الخط العربي.

- وترك مسودة لكتاب «طبقات الخطاطين» الذي نشر في عام 2008م، أي بعد خمس وثلاثين سنة من وفاته.

علاقته بالزعيم عبد الكريم

ارتبط الراحل هاشم الخطاط بصداقة حميمة مع الزعيم عبد الكريم قاسم وكان يزوره في مقره في وزارة الدفاع ليتناول معه الغداء او العشاء ، ولم يكن الراحل هاشم محط  اعجاب ومحبة الزعيم قاسم فقط ، بل كان الملك فيصل الثاني يكن له كل الاعجاب والتقدير ويحرص على افتتاح معارضه بنفسه وبرعايته الملكية المهيبة، كما كان معظم البراءات المرافقة للأوسمة التي عينها الزعيم عبد الكريم قاسم بخط يده ، وان بابا الفاتيكان استقبله ومنحه (وسام البابا ) تقديرا له على انجازه خط القران الكريم حيث اهدي هاشم الخطاط نسخة منه الى البابا .

 بعد 8 شباط 1963 واعدام صديقة الحميم الزعيم عبد الكريم قاسم لم يستطع الراحل هاشم اكمال خط المصحف الشريف الذي اوصاه الزعيم بكتابته واستمر يعمل به ليل نهار ولمدة خمس سنوات ، ووفاءا منه ، من ان لا احد يستحق تلك الهدية غير الزعيم قاسم ، اخذ ما انجزه من المصحف ورماه في نهر دجلة وفي المكان الذي اشيع ان جثة الزعيم قد رميت فيه بعد اعدامه .

تلاميذه

تخرج على يديه الكثير من الطلبة البارزين في الخط العربي ومنهم الخطاط الشاعر وليد الأعظمي والخطاط صادق الدوري، الخطاط طه البستاني، والخطاط جمال الكباسي.

يقول عنه تلميذه السعودي عبد الله الصانع:

أشهر خطاطي القرن الماضي والحاضر ممن تواصلت معهم – الخطاط هاشم محمد البغدادي ( الجزء الاول)  كان لي الشرف الكبير ان يكون استاذي شيخ خطاطي العرب بلا منافس حيث قضيت أربع سنوات في معهد الفنون الجميلة ببغداد بين عام 1967 وعام 1971 م ارتشف علم وقواعد الخط العربي من هذا الاستاذ علاوة على دراسة الفنون الأخرى.

لم يحصل أحد على إجازة منه سوى الخطاط عبد الغني عبد العزيز العاني. وكان من تلاميذه عبد الله الجبوري ومحمد القاضي ويوسف ذنون وصلاح الدين شيرزاد الذي يشرف الآن على إدارة مجلة حروف عربية التي تصدرها ندوة الثقافة والعلوم بدبي في دولة الامارات العربية المتحدة.

المصادر

-حسين علي محفوظ (في ذكرى هاشم الخطاط) ، مجلة آفاق عربية ، عام 1988

- (هاشم البغدادي .. نابغة الخط العربي) ، موقع الوطن https://www.al-watan.com/ في 4 مايس 2020

- عبد الله الصانع (آشهر خطاطي القرن الماضي والحاضر .. الخطاط هاشم محمد البغدادي) ، في موقع صحيف الكفاح الإخبارية https://alkifahnews.com/ في 9 مايس 2022

- عبد الجبار العتابي (هاشم الخطاط في استذكار احتفائي) ، موقع إيلاف https://elaph.com/ في 2 آب 2009

- جواد الحطاب (بغداتد تحتفل بمئوية أشهر خطاطيها هاشم البغدادي) . في 22 تشرين الثاني 2014

 - جواد الرميثي (هاشم الخطاط يرمي المصحف الشريف في نهر دجلة) ، صحيفة الزمان ، في 23 تشرين الثاني 2024

- (الخطاط هاشم البغدادي) ، المدونة الفنية https://crafts10.wordpress.com/

في مايس 2020

-مرتضى الجصاني (كراسة هاشم البغدادي.. السحر الذي لا ينتهي) ، صحيفة الصباح البغدادية ، في 2 اذار 2022


مشاهدات 83
الكاتب صلاح عبد الرزاق
أضيف 2025/01/11 - 1:32 AM
آخر تحديث 2025/01/12 - 2:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 59 الشهر 5366 الكلي 10095331
الوقت الآن
الأحد 2025/1/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير