من خلف القضبان إلى خدمة المجتمع: رؤية معاصرة للعقوبة السالبة قصيرة المدة (جدلية العقوبة والاصلاح)
زهراء حسن حسين
ان الصورة الراسخة في اذهان المهتمين بالسياسة العقابية بأن العقوبة السلبية للحرية هي صورة الجزاء الأساسية وانها الصورة الأساسية والمسيطرة على جميع القوانين الجنائية وربما الشرقية والعربية منها على حد سواء .حيث تكاد تتفق كل التشريعات على كون المؤسسة العقابية أو الاصلاحية هو المكان الأساسي لتنفيذها .ومن هذا المنطلق ستنطلق أولا آلى ما المقصود ببدائل العقوبات السالبة للحرية)هي مجموعة من البدائل التي يتخذها القاضي في ابدال العقوبة السالبة للحرية لخدمة يؤديها السجين لفئة من فئات المجتمع أو في مرفق معين من مرافق الدولة لمؤسسات خيرية أو الحاقه بمرفق تعليمي يستفيد منه السجين بهدف اصلاحه وتاهليه .حيث أن من مبررات إقرار بدائل العقوبات في التشريعات الجنائية وخصوصا في عقوبة الحبس قصير المدة على المحكوم عليه .ومبالغة القضاء في الحكم بالعقوبات السالبة للحرية قصير المدة يترتب عليها زيادة في اعداد المحكومية وهذا سيرتب عليه حتما مشكلة ازدحام السجون بما يفوق طاقتها الاستيعابية اضافة إلى ذلك مشكلة اختلاط النزلاء المحكومين بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة بمجرمين لهم سوالف جرمية ونزعات عدوانية هذا بدوره يؤدي إلى اكتشاف المحكومين الجدد مهارات إجرامية وتجارب معتادي الاجرام فتصبح مراكز الاصلاح بالتالي مراكز لتعليم الاجرام وتفريخ الجريمة لا مراكز للاصلاح والتاهيل .وقد يعاني السجناء السجناء في داخل السجن من الأمراض الجنسية والحرمان الجنسي وتؤدي هذه الحالة إلى دفعهم إلى ممارسة سلوكيات منحرفة ينتج عنها تداعيات بالغة الخطورة وبالتالي انحراف القيم الاخلاقية والدينية بين النزلاء مما يؤدي إلى نزولهم إلى هوة الجريمة من جديد .اضافة إلى أن الأخذ بهذا النظام يؤدي إلى ايقاف الاستنزافات المالية الناتجة عن النفقات الهائلة التي تتحملها خزينة الدولة وتعد عقوبة العمل للمنفعة العامة من أهم العقوبات البديلة ولها فوائد كثيرة من أهمها اصلاح الجاني وتأهيله من خلال الزامه بالعمل في المشاريع النافعة مما يبعده عن المساوئ السجون والاختلاط بارباب السوابق كما أن من شأنها اكساب النزيل مهنة شريفة تكون له واقيا ضد البطالة التي يمكن أن تقوده إلى سلوك طريق الجريمة وقد اخذ بهذا النظام بعض التشريعات العربية مثل مصر والاردن والجزائر والسعودية.اما بالنسبة إلى تشريعنا الجنائي فقد جاء خاليا من النص على هذا البديل وقد ادرك المشرع الجنائي الحديث فعلا هذا الأمر عند صياغته لمشروع قانون العقوبات الجديد عندما افسح المجال أمام المحكمة وبطلب من الأدعاء العام اللجوء إلى هذا البديل أثناء أو بعد الحكم بعقوبة الحبس قصير المدة بعد مراعاة ظروف الجريمة والمحكوم عليه حيث نص في المادة 76 منه )على صلاحية المحكمة في ابدال عقوبة الحبس البسيط الذي لا تقل مدته عن 24ساعة ولا تزيد على سنة واحدة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك باحدى العقوبات البديلة التالية ..أ العمل في المجتمع بدون اجر ...الخ ، مع الجدير بالذكر أن قانون مشروع قانون العقوبات الجديد ارسل إلى مجلس النواب منذ اب عام 2021 الا أنه بقي محط الأنتظار ولم ير النور آلى الآن ..لذلك لكل ذلك نوصي مشرعنا العراقي إلى مواكبة التشريعات العقابية الجديدة والعمل على ادراج البدائل العقابية الجديدة في التشريع والغاء عقوبة الحبس قصير المدة والاستعاضة عنها ببدائل العقوباةالمذكوره انفا لما لذلك من اهمية تساهم في اصلاح الخارجين عن القانون بما يخدم المجتمع ويعزز من قدرات ابنائه ونوصي بالاخذ بعقوبة العمل لمصلحة العامة فهي تعتبر استحقاق اجتماعي في مقابل الضرر الذي تسبب به مرتكب الجريمة فمن حق المجتمع أن يتم تعويضه عن هذا الضرر بخدمة اجتماعية مجانية يقدمها المحكوم عليه بها..وكذلك ادعو السلطة التشريعية إلى التصويت عليه وأن لا يبقى مجرد حبر على ورق ،اذ في ضوء ما تقدم، تبرز الحاجة الملحة اليوم لأن يتجه المشرع العراقي إلى تبني نظام العقوبات البديلة، وعلى رأسها عقوبة خدمة المجتمع، كخيار إصلاحي فعال يحقق التوازن بين حماية المجتمع وإعادة تأهيل الجاني.
إن اعتماد هذا النظام من شأنه أن يخفف من مشكلة اكتظاظ السجون، ويقلل من الآثار النفسية والاجتماعية السلبية الناتجة عن العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، فضلاً عن إسهامه في تعزيز القيم الإيجابية لدى المحكوم وتشجيعه على تحمل المسؤولية المدنية والاجتماعية.
لذلك، فإن إدراج عقوبة خدمة المجتمع ضمن التشريعات الجزائية العراقية لم يعد ترفًا قانونيًا بل أصبح ضرورة تقتضيها مصلحة المجتمع والجاني معًا، في إطار سياسة جنائية حديثة تواكب التطورات القانونية والإنسانية العالمية.
مع التقدير