الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل يتنفس العراق الصعداء بين الأمل والرجاء ؟

بواسطة azzaman

همسات ساخنة .. ومضات هادئة

هل يتنفس العراق الصعداء بين الأمل والرجاء ؟

لويس إقليمس

 

لم يتبقى للمواطن البسيط والمثقف الصاغر الصابر على السلبيات في العراق، وما أكثرها، غير مفردات مهزوزة ملآى باليقين بحصول متغيرات جذرية أو حتى إصلاحية في بلدٍ تهاوت فيه كلُّ سمات الوطنية وغابت عنه صفة المواطنة المؤمنة بالعدالة الاجتماعية والمساواة وإنفاذ القانون كسائر الأمم والشعوب والدول المتمدنة. فقد تمادى ساسة العراق وتجّار المحاصصة باسم الدين والمذهب ما بعد الغزو الأمريكي الأهوج بإقحال البلاد وتصحّرها ونتفِ ريشها حتى الثمالة بحيث لم يتبقى من مفهوم الوطن والمواطنة ما يمكن أن يتعزّى به أهلوهُ المثقلون بالهموم والمشاكل وأشكال الفساد وسبل التزوير والتشويه والقفز على الحقائق. كما شملتهم الغيرة على الموازنات السنوية ومنها الانفجارية خاصةً، التي لم تستطع وقايتَهم من شدّة فقر طبقاتٍ رائجة من بين ظهرانيهم وبما كان يُفترضُ أن يصون كرامة عوائلهم ويلبي طوحات المثقفين والمتعلّمين والعقلاء منهم. وهم كثرٌ بعدد نخيل العراق السامقة! ولكنّهم مستبعدون من خانة السياسة والإدارة والمناصب وكذا من شقّ العلوم المختلفة التي كانت البلاد والمنطقة والعالم تفخرُ بهم في سابق السنين والأزمان. وقد خبرنا هذه السمة الضائعة في سنوات القفر الأغبر والفقر المدقع طيلة أكثر من عقدين انسابا خلسةً وبفعل فاعل، بسبب وصمة الفساد الطاغية وما لفَّ لفَّهُ من موبقات وجوانب سلبية كانت البلاد فيما مضى شبه خالية من معظمها. لكنّ إرادة الأسياد والمتواطئين معهم دوليًا، كانت لهم رؤية أخرى متخالفة ومغايرة لطموحات أهل الحضارة والثقافة والتعددية الزاهرة لقرون مزهرات وسنواتٍ مجدياتٍ من حب الوطن الصادق وسعادة العيش المشترك في إطار الأخوّة الإنسانية والاجتماعية والدينية التي جمعتهم في إطار الوطن والمصالح المشتركة والمصير الجامع.

ممّا لا شكّ فيه ونحن نطوي صفحة العام 2024 ونستقبل تاليَه 2025 ضمن إطار الأمل والرجاء، يشملنا اليقين في هذا العام الجديد أن يكون أجمل وأفضل وأكثر سعادة من سابقيه بانفراجة قريبة في جميع جوانبه. فهذا ما بين أيدينا وليس سواه ما نتمنى ونرجو. فالأمل والرجاء يبقيان من أسرار المكنونات الباطنيات وغير الظاهرات إلاّ في السلوكيات والأعمال والإجراءات التي تترافق مع الأعمال وليس في الأقوال فحسب. وهذا أقلُّ بل أكثر ما نستطيع البوح به. فالمصير والمستقبل لا يمكن أن تضمرَهما أقاويلُ العرّافين ولا توقعات المنجمين ولا تأوهات الحزانى أو نظرات المدنفين القريبين من حتفهم بأيّ ثمن وأيّ سبب. فما بين الأمل المرتقب والرجاء العتيد يكمن خوفٌ من مستقبلٍ أكثر تعاسةً وأشدَّ غموضًا لدى البعض. وهذا من أتعس القدريات الممكنة، فيما لو حصل أو وقعنا ضمن دارة هذا الخوف غير المبرّر وغير المقبول. فمن الخوف ما يشدّنا أحيانًا إلى عواقب أكثر سلبيةً حين يتعلّق الأمل المرتقب والرجاء المنتظر بضروراتٍ لم يعد الجنس البشري أن يتحملها في أدوات الصبر والتفاؤل المحذور والمأمول بغدٍ ساحرٍ أفضل. فقد سئم البشر من مثل هذه المفردات الإنشائية التي لا تقدّم ولا تؤخر إلاّ في تخدير الإنسان لساعات أو أيام أو أسابيع أو أشهر أو سنوات. ولكن، هذه حينما تطول تفقدُ معناها وينتفي مغزاها وتظلُ حبيسة التطلعات والآمال الطوباوية بسبب  تعطيل العقل والفهم وتقليص الإرادة والفكر ونضوب النية الصادقة في معايشة شكل التغيير، مهما كان شكلُه أو أدواتُه. ولعلَّ في التغيير المرتقب الذي يتمناه كلّ عراقي في السنة الجديدة ينبع من مثل هذه الأدوات الصبرية والتفاؤلية واليقينية التي هجرها العقلُ السياسي الخاوي في البلاد، كما في عددٍ من بلدان المنطقة الرازحة تحت نير طواغيت السياسة ووعاظ السلاطين. فقد زاد هؤلاء من حدّ أسنانهم على الطبقات الفقيرة لتزداد فقرًا تاركين إياها تصارع هذه الآفة التي ادّعى وما زال مَن وَسَموا أنفسَهم بعلماء الدين والمذهب ضرورةَ بقائهم في خاناتها. فيما هم يسعون بكلّ ما تيسرَ لهم من قوّة وأدوات للإبقاء على عقول وأفكار وأماني أبناء هذه الطبقة الفقيرة المتخلفة والجاهلة بعض الشيء راكدة مكلَّسةً بالغباء والتخلّف والجهل. وإلاّ لما استطاعوا هُمْ ومَن يوالوهم من ساسة الفساد ونهب المال العام واللصوصية من السطوة على مقدرات البلاد والتلاعب بثروات الشعب بالطريقة المعروفة لدى الجميع منذ عقود، ولاسيّما في العقدين المنصرمين.

خارطة المنطقة

لا أحد ينكر أنّ المنطقة في انتظار شيءٍ من التغيير في خارطتها المرسومة عند الأسياد ومَن يتبعهم في الولاء قسرًا أو اختيارًا. فما شهدناه من تغيراتٍ جيوسياسية وربما طوبوغرافية في دولٍ لها مساسٌ بالعراق وسياسته ومنظومته التي اشرف عليها الغازي الأمريكي وأودَعَها أمانةً في إدارتها بأيدي الجارة الشرقية وأدواتها، قد يأتي في قادم الأيام على شيءٍ من حاله وترحاله.

ففي المنظور السياسي، يتحدث الكثيرون عن إملاءات وقرارات ٍ صدرت ولا رجعةَ فيها على طريق التغيير الشامل في منظومة الحكم. أمّا المختلَف عليه، فهو في البرنامج العام الذي سيجري تطبيقُه مع استلام المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب مثيرِ الجدل في أفكاره وتحرّكاته وعلاقاته وقراراته مسبقة النوايا والإرادة. وهذه من البديهيات بل من المرغوبات في العهد الجديد لولايته القادمة بعد تفاقم الأوضاع وبيان مدى الضرر والخطر العالميّين بتسليم المنطقة وسياساتها ومصائرها بايادي غير أمينة على شعوب المنطقة، لاسيّما العربية منها التي فقدت معنى كينونتها وأصبح سرُّ بقائها ومصير شعوبها منوطًا بتغييرات حاسمة وجذرية في الرؤية السياسية والحكم والإدارة من منطلق إيجابي يفي بحياة مسالمة وأوضاعٍ مستقرّة افتقدتها طيلة العقود المنصرمة بلا رؤية موحدة ولا وسيلة صالحة للعيش الآدمي بين أبناء المجتمعات المتعددة التي تشكّل القوة الفاعلة لمنطقة الشرق الأوسط بشعوبها المختلفة من دون تمييز ولا تحيّز أو مساومة أو استغلال أو استخفاف بجهة دون غيرها.

فالجميع لديه القدرة في إثبات الذات والكفاءة والجدارة. ووفق هذا المنظور يستحق ما يرنو إليه المواطن ويأملُه ضمن مفردات الأمل والرجاء المقرونين بالإيمان الفاعل في تنفيذ وتطبيق الحقوق الوطنية غير المنقوصة للجميع. أي أنْ يشمل الوطنُ جميعَ المجتمعات في دستوره المنقَّح القادم وقوانينه الوضعية من دون ضغوطٍ أو تهديدات بذريعة الدين أو المذهب أو الأكثرية والأقلية السارية في سياسة البلاد. ولكن طالما، بقي ساسةُ البلاد وأحزابُهم تعتاشُ على نائج المحاصصة البغيضة التي أضرّت بالوطن والشعب وحتى بجيرانه وبشعوب المنطقة، فلا نتائج إيجابية من المبادرة الأخيرة التي ألقتها بعض الأحزاب المتراجعة في الساحة السياسية بدعم من شخصيات مفلسة خارجة عن السلطة. فهذه الأطراف والشخصيات تكون بهذه المبادرة مثيرة الجدل قد ألقت بالتوافق والاتفاق مع أحزاب السلطة وساستها وأدواتها التنفيذية فاقدة المصداقية طوقَ نجاة لها للإبقاء على ذات الشخوص وذات الأحزاب وذات الزعامات التي كانت السبب في خراب البلاد وتخلفها عن الركب المدني العالمي طيلة 21 عامًا من الحكم غير الرشيد. وهذا من الكبائر، لاسيّما حين يخرج الحاكم والمتحكّم والمتسلّط عن الطور المصوَّر له في عقول الجهلة وناقصي العقل والحكمة والرؤية الإنسانية.

متغيرات قادمة

هنا أقول كلمة المواطن الصادق. في ظلّ المتغيرات القادمة مهما كان شكلُها وطريقتُها، كفانا بكاءً على أحداثٍ حصلت قبل أكثر من 1400 سنة. وكفانا عيشًا ذليلاً على ذكريات ذلك الماضٍي السحيق، ومجملُه بغيضٌ ومترَعٌ بأدوات القتل والنهب والسلب والاغتصاب وغيره من أشكال الرزايا المدانة إنسانيًا واجتماعيًا. فهذا تاريخٌ ولّى، سادَ ثمَّ بادَ منذ زمن، وليس لنا فيه ذنبٌ أو سببٌ أو مبرّرٌ للعيش ضمن ذكرياته القاسية وغير الواقعية التي لا تنسجمُ البتة مع تطور العصر والعقل البشري المتغيّر وفق المصالح الوضعية.

فمن حق البشر المخلوق أداةً عاقلةً من الخالق الجبار، أن يرتاي في تأويله للماضي وما مكتوبٌ فيه وعنه، ما يرجحُه صالحًا للعصر ولليوم الذي يعيشُه وفي الوسط الذي يتواجد فيه ككائن بشري يمتلك مثل هذه القدرة والفاعلية من دون تقييد أو فرضٍ. كما من حقه أن يشعر بقيمته كمخلوق على صورة الخالق الحسنة والجميلة باشكال الرفاه وراحة البال والاستقرار النفسي والعائلي والمجتمعي في ضوء اعترافه وإقراره بسمات إنسانية جميلة لا تخرجُ عن سمة محبة الآخر واحترام خصوصياته والقبول بأشكال التعددية في أيّ شيء وكلّ شيء. فهذه من سيماء الغنى لدى الشعوب. ولو كان الجميع ضمن خانة واحدة من العقلية أو الدين أو المذهب أو الفكر لما أمتعنا ناظرينا بزهوِ حدائقنا ممتلئةً ورودًا وأزهارًا وأشجارًا ونباتاتٍ مختلفةً في اللون والشكل والحجم والنظارة وما إليها من متع النظر إلى الطبيعة التي خلقها الباري تعالى من أجل راحة الإنسان ومتعة ناظريه وراحة جسده وقلبه ونفسه

عسى الأيام القليلة القادمة تنشر لنا شيئًا من فيض التغييرات المقبولة والمنتظرة حفاظًا على ما تبقى من أمنيات عزيزة على الجميع مع قدوم السنة الجديدة ببركاتها السماوية دون أن نبقى عالقين بين أشكال الأمل والرجاء المتاحين للجميع. وهذا يتطلبُ حالةً من تضافر جهود الجميع وتنازلاً من الفئات المتسلطة بسطوتها الدينية والمذهبية والسياسية غير الرشيدة، كي تُصان حقوق جميع العراقيين. فنبدأ سنة من التوافق الجديد والاتفاق على صون كرامة الوطن وتأمين سيادته واستبعاد الزؤان من البيدر كي يبقى بيدرُ العراق نقيًا بأهله وصالحًا للعيش المشترك بين طوائفه على اساسٍ وطني ثابت ومواطنة صالحة وصادقة من دون تمييز ولا تخالف ولا تقاطع ولا ولاء لغير الأرض والوطن والشعب. فالزؤان حينما يستفحل في الأرض وينمو ويكبر، يُحصدُ مع البذور الطيبة. ولكن بالنتيجة، يصعبُ تنقيتُه من البيدر وقت التنظيف والتوضيب والتسويق. فهل نتنفسُ الصعداء بين أملٍ ورجاءٍ منتظرين ونقول: مبروك للعراقيين منظومتُهم الجديدة وفكرُهم المتجدّد وحسُّهم الوطني القادم الخالي من الولاء للدخيل والغريب والمتربّص بسمعته والمتحكم بمصيره ومستقبل أجياله؟


مشاهدات 58
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/01/03 - 11:54 PM
آخر تحديث 2025/01/06 - 2:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 313 الشهر 2599 الكلي 10092564
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير