الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الديمقراطية في العراق تحت سطوة الدكتاتورية

بواسطة azzaman

الديمقراطية في العراق تحت سطوة الدكتاتورية

 توفيق محمد علي الحسني

 

 

ربما لاح لناقدي النظام الديمقراطي في العراق ان يحتجوا بقولهم: ان الديمقراطية لو كانت معقولة لما تركت سبيلا للدكتاتورية عليها في وقتنا هذا حتى في مراحل تطبيقها ونحن يلوح لنا ان الذين يجول هذا الخاطر في بالهم يعنون النظرية الديمقراطية لا الديمقراطية العملية الديمقراطية العملية لم تبلغ . حد الكمال اذا كان بلوغه ممكنا وانما هي سائرة في الطريق سيرا حثيثا ولم تزل بعيدة عن ذلك الهدف الأمثل، انها لسائرة بجد ونشاط ولكن امامها عقبات من العواطف البشرية ومثيرات من الشهوات ونحو ذلك، مما يرتد امامه التعقل مخبولا او مشلولا فلذلك لا يستغرب ان تتعثر الديمقراطية في طريقها ويقوم في وجهها حكم (فردي) مطلق كالدكتاتورية وربما كان هذا النظام الحديث من الحكم نجدة في حينها الديمقراطية اذ قد يقيلها من عثرتها ويتدارك الفوضى التي يتعرض لها المجتمع اذا تقلقل النظام.

الدكتاتورية كما نعرفها الآن لا كما عرفناها في تاريخ الرومان وغيرهم انما هي نوع من الفكر الفردي القليل التقيد او العديمة ويختلف عن الحكم الملكي المطلق بأن الدكتاتور (وقد ترجمناه الحاكم بأمره لا يرث السلطة عن سلف، ولا يبايعه بها قومه وانما يظفر بها عن طريق الديمقراطية نفسها التي يشل هو حركتها الى حين، فالأمر المهم الذي يود ان يفهمه القارئ هو كيف يستطيع الدكتاتور ان يظفر بالسلطة المطلقة عن يد الديمقراطية.

يخفى على شعبنا الواعي : اولا باعتقادهم ان رجال السلطة التنفيذية (الوزارات) قد اختيروا من الطبقة التي تمتاز بالذكاء وبالقدرة السياسية.

ثانيا: قد زرع الثقة بإخلاصهم وامانتهم وكفاءتهم العالية ونزاهتهم المطلقة بإلقاء مسؤوليات كبرى على عواتقهم ولهذا يخولون سلطة فعلية تنفيذية واسعة وهو واهمون

فإذا توسم الشخص او الرئيس انه قابض على زمام السلطة قبضا محكما وان زملاؤه اخوان مخلصون له ومتفقون معه في ارادته وان هناك احزابا وميليشات تشاغبه وتحاول ان تقلب له ظهر المجن شل الحركة الديمقراطية بنفس قوة السلطة التي خولته اياها الديمقراطية نفسها فكأنه يوثقها بنفس الوثاق الذي يوثق به السلطة التنفيذية نفسها يشل الحركة الديمقراطية ما استطاع لكي يقطع شأفة المشاغبة وتصمت ألسنة المشاغبين فيصفو له الجو ويفعل ما يشاء مدعيا انه يشتغل لمصلحة الشعب وانه انما يغل أيدي خصومه بمخالفة النظام في بعض الاحوال لكيلا يعرقلوه في مهمته.

وبقدر ما يثبت هذا الشخص الحاكم بأمره (الدكتاتور) للجمهور انه مخلص في خدمة مصالحهم يقل خصومه فيقل نقضه للمبادئ الديمقراطية وبقدر ما يشتبه الجمهور بإخلاصه تشتد مخالفته لتلك المبادئ كذلك بقدر ما يخصونه من النفوذ والتأثير يكون ضغطه عليهم مخالفا لأحكام النظام فحيث ترى الأفراد يعتقلون ويحبسون بلا محاكمة، ولهم سجون خاصة خارج شرعية السلطة والمراقبة شديدة على حرية الصحافة والمنابر والنشر فأعلم اما ان خصومه اقوياء او ان الشعب غير راض الرضاء التام عن تصرفاته كان في المانيا الهتلرية آنذاك والغالب ان يتفق كلا الأمرين معا لأن خصومه لا يقوون عليه اذا كان الشعب راضيا.

فالدكتاتور في البلد الديمقراطية الراقية كما يدعي الدكتاتور:

1- تحطيم بقايا النظام الاستبدادي القديم وتنظيف الحقل السياسي الاداري من

هشیمه.

2- خلع الديمقراطية السابقة الضعيفة التي كانت تتسكع في طريقها واقامة ديمقراطية قوية جديدة مقامها.

فالدكتاتورية الحديثة انما هي عملية التسنين الثانية أي تخلع اسنان اللبن التي نبتت لعهد الطفولة وبروز طاقم الاسنان الجديد القوي الدائم.

بقيت نقطة جوهرية هنا لابد من لفت نظر القارئ اليها وهي ان الدكتاتورية لا يمكن (اويندر) ان تقوم او تنشأ في الاحوال العادية بتاتا لا تنشأ الا في حالة خوف الشعب المسكين ويأسه من مصيره لطارئ طرأ عليه فقلقل أمنه وسلامه، فالدكتاتورية الاخيرة كلها قامت في اثناء انهزام قوى الدفاع عن بلادها بحيث اصبحت شعوبها في اضطراب وقلق ولم يبق لدى نوابها وقت المتفاوض في الأزمة الحرجة المداهمة فجعلت تنظر الى السماء متوسلة ومتضرعة أن يهبط اليها من السماء منقذ واي من يبرز للقوم حينذاك ويقول "هيا" يمشي القوم وراءه.

شيء بالشيء يذكر ففي روسيا حدثت الثورة البلشفية العظيمة على اثر توالي الانكسارات وتضعضع الجيش وانحلال قواته وخسران روحه المعنوية وفي ايطاليا حدث انقلاب الفاشستي حين انهزمت القوة المحافظة على الامن والنظام امام الفوضى الأهلية، وفي المانيا حدث الانقلاب النازي حين كادت السلطة الحاكمة تخضع امام الضغط الخارجي وتستلم، وفي تركيا قامت الدكتاتورية الكمالية التجددية حين انكسر الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى ولم تبق الا شرذمة او فلول في الاناضول، وقد ارسل الغازي كمال اتاتورك لحلها وتسريحها وتسليم البلاد للاحتلال الاجنبي وترك الاهالي في يأس تحت رحمة الأقدار.

فالحكم الدكتاتوري كالحكم الفردي المطلق يكم الافواه ويكسر الاقلام ويقطع الألسنة فيحرم المجتمع ثمرة المناقشة واحتكار الافكار وهما اهم اركان الحكم النيابي الذي يكفل اقصى ما يستطاع من خدمة مصالح الجماهير وانما الناس التمسوا منذ القديم الحكم النيابي وجاهدوا لأجله لأنه ثبت لهم عقلا ومنطقيا واختبارا انه الذريعة الامنية لحصولهم على اقصى ما يستطاع من أمانيهم فلا يمكن ان ينيلهم الحكم الدكتاتوري هذه الأماني وهم لا يستطيعون ان يتوخوها والقائمون بالأمر لا يمكن ان يلهموها او ان نوحي اليهم والمجلس النيابي أبكم اصم اعمى لأن الدكتاتورية عصبت رأسه كله بعصابة اعمته وأصمته وابكمته فأصبح مجلسا نيابيا بالاسم للتمويه والذر في العيون

والانتخاب تحت تأثير الدكتاتورية يصطنع اصطناعا لأن الناخبين فاقدوا الحرية

غالبا .

فالدكتاتورية تنتهي بانتهاء مهمتها أي الانقاذ في حين الشدة وبعد ذلك يجب ان تفسح السبيل للديمقراطية لكي تعود الى مقامها تفعل كذلك اذا اطلق "الحكم بأمره" الحرية للانتخاب القانوني وتأليف مجلس الشعب حرا فإن أقره المجلس في كرسي الحكم اصبح حاكما لا بأمره بل بأمر المجلس وحينئذ تسقط دكتاتوريته وتثبت

ديمقراطيته الجديدة.


مشاهدات 47
الكاتب  توفيق محمد علي الحسني
أضيف 2025/01/06 - 1:11 AM
آخر تحديث 2025/01/07 - 9:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 19 الشهر 3396 الكلي 10093361
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير