رجل المرور .. عنوان التضحية
أحمد عبد المجيد
لا يشترك مع الاعلامي في طبيعة تحديات عمله اليومي وضغط الحوادث عليه سوى رجل المرور. وكنت منذ عقود، أوكد أحقية رجل المرور بالدعم والرعاية والاهتمام الصحي والاجتماعي. وربما هو من بين موظفي الخدمة العامة القليلين، الذين يواجهون الانواء وتبدل احوال الطقس في الشارع. وفي وقت نهرب جميعاً من هطول الامطار وزمهرير البرد، الى بيوتنا وننعم بالدفء والسلامة مع افراد عوائلنا، فأن رجل المرور يمكث في مكانه يقاوم هذه التحديات ويقدم المساعدة لمن تتقطع بهم السبل في طوفان المياه أو وسط السيول.
واذا جاء الصيف فأننا ننعم، ونحن نقود مركباتنا بأجواء أجهزة التبريد التي لا تفتقر اليها مركبة، اليوم، في حين يلازم رجل المرور مكانه فيواجه الحر الشديد ودخان العوادم، ثابتاً صبوراً واضعاً اعصابه داخل ثلاجة، فاذا فرض غرامة على مخالف للسير وقواعد السلامة المرورية، تهب بعض الاصوات التي تلقي باللائمة عليه وكأنها تدعو الى سيادة الفوضى والتغافل عن السماح للمتهورين وعديمي الاخلاق في الشارع، وتركهم احراراً طليقين لكي يتمادوا بخرق القانون والاعتداء على حريات الناس وتهديد ارواح الكبار والصغار.
وكنت ومازلت من اكثر الداعين الى احترام قرارات رجل المرور وفهم خصوصية واجباته وسلامة نواياه. وسبق لي ان كتبت عشرات المقالات التي تذكّر بأهمية دور رجل المرور، بوصفه حامياً للأرواح ومطبقاً لقواعد الأمن المجتمعي. وفي كل عيد أو مناسبة ينعم اصحاب المهن والحرف الاخرى، بالراحة بين ظهراني عوائلهم، فيما يبقى رجل المرور بعيداً عن هذه النعمة يؤدي عمله عن طيب خاطر وتضحية. فهو يدرك ان واجبه الانساني والوطني يحتم عليه العمل ليل نهار في الاعياد والمناسبات الوطنية، من أجل الآخرين، ومن أجل ان يعكس صورة ايجابية عن بلادنا، بأنها موطن احترام القانون. يقول احد الحكماء (روعة الانسان ليس بما يملك، بل بما يمنح)، ورجل المرور اكثر الناس المناحين. لا يكفي ان نبارك لهذا الانسان المضحي المخلص، جهده وتضحياته حسب، بل لابد لنا من ان نحث الرأي العام على استيعاب طبيعة واجبه وتأمين الاحترام اللازم له. تصوروا ماذا لو لم يكن رجل المرور ماثلاً في التقاطعات والشوارع، ولو لم يكن له حضور في تنظيم السير؟ صدقوني سنعيش تحت وطأة الفوضى والتقاتل، وسيتعذر علينا الوصول الى اعمالنا ومقاصدنا، وستتحول التقاطعات الى مسرح للنزاعات والتخاصم والحوادث المؤسفة.
نحن مطالبون ليس بتقدير مهمة رجال المرور حسب، بل حث الحكومة والبرلمان على تأمين المتطلبات لهم، والى شمولهم بمخصصات الخطورة وحصولهم على الرعاية الصحية المجانية والحصول على الاراضي السكنية. ذلك ان الواحد منهم لا يستطيع ان يؤمن لنا الطرق اذا لم تؤمن الدولة له ولعائلته الحقوق الكفيلة بالعيش الكريم والشعور بالامتنان والوفاء لدوره الأمني والاخلاقي.
ادعو الحكومة والأوساط المجتمعية والدينية الى رفع الايادي لتحية رجال المرور وتأمين حياتهم ومستقبل عوائلهم وتشديد القوانين بحق الذين لا يمتثلون لاشاراتهم وتعليماتهم.