الإرهاب الإداري.. عندما تتحول السلطة إلى أداة قمعية في بيئة العمل
حاتم جسام
في عالم يُنادى فيه بالنزاهة والشفافية وتمكين الموظفين، تظهر ممارسات خفية تُسمّى "الإرهاب الإداري" ، إذ يستخدم بعض المدراء سلطتهم ليس للتوجيه وزيادة الإنتاجية، بل للقمع والتخويف وتحقيق غايات بعيدة كل البعد عن الوظيفة العامة تشبع رغباتهم المنحرفة وتعالج عقدهم الداخلية. هذه الظاهرة لا تؤذي الفرد فحسب، بل تُضعف المؤسسة بأكملها.
ما هو الإرهاب الإداري؟
هو نمط من الممارسات القمعية المتعمدة التي يمارسها مسؤول أو مدير لفرض السيطرة عبر التهديد بالفصل أو الحرمان من الاستحقاقات الوظيفية والترقيات ،والعزل الاجتماعي في بيئة العمل ،والمنع من المشاركة في القرارات ،وإسناد مهام مستحيلة أو مُهينة، فضلاً عن محاولة تشويه السمعة الوظيفة من خلال الكذب والافتراءات او شيطنة الشخص المقصود بهذا الارهاب غير الاخلاقي وغير القانوني.
واذا ما تأملنا في الآثار المدمرة للارهاب الاداري سنجدها كارثية على المجتمع وليس على الفرد فحسب لأنها ستؤدي إلى انخفاض الإنتاجية في المؤسسة وزيادة معدل دوران الموظفين في العمل دون ابداع او انجاز مع انتشار ثقافة الصمت والخوف وتفكك بيئة العمل البشرية والتحول إلى بيئة مليئة بالمنافقين الذين يُقبلون على كسب رضا ممارس الارهاب الاداري خوفاً من التعرض للمضايقات او حتى التحرش الجنسي.
وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف نواجه الإرهاب الإداري؟
أولاً على مستوى الأفراد لا بد من توثيق ممارسات الارهاب الاداري تحريرياً واللجوء إلى المراجع العليا في المؤسسة لابلاغها عن الانحراف في استعمال السلطة وتشكيل اللجان التحقيقية المحايدة للوقوف على ممارسات الارهاب الاداري وتجريمها وانزال اشد العقوبات بمرتكبيها ،فضلاً عن طلب الدعم النفسي من المختصين لتعزيز الثقة بالنفس وبادارة المؤسسات العامة.
وثانياً على مستوى المؤسسات فلا بد من إنشاء قنوات شكاوى آمنة وتدريب المدراء على مهارات القيادة الأخلاقية ،ومكافحة الممارسات القمعية وفقاً للقوانين الادارية التي تنظم العمل.
وثالثاً على المستوى القانوني فلا بد من زيادة دور القضاء الاداري وصلاحياته ورقابته على اعمال الادارة للحد من الانحراف في استعمال السلطة ومن تسخير السلطة التقديرية لتلبية الرغبات الشخصية للمسؤول ، وبالفعل قامت بعض الدول (مثل فرنسا والسويد) بتجريم التنمر الوظيفي وفرض غرامات على المخالفين حفاظاً على سلامة المجتمع وبيئة العمل والمصلحة العامة.
ختاماً نقول إن الإرهاب الإداري ليس جزءً طبيعياً من العمل، بل هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ،وتتطلب مواجهته شجاعة فردية، وإرادة مؤسسية، وقوانين رادعة ،فعندما نرفع الصوت ضد هذه الممارسات نستطيع بناء ثقافة عمل قائمة على الاحترام والتشجيع على الابداع للنهوض بواقع مؤسساتنا والارتقاء بها لتحقيق رفاهية المجتمع والعدالة الوظيفية.