أخذ شهادتك وبعدين تعال أشتمني
عبدالهادي البابي
في واقعة تاريخية لطيفة يرويها المرحوم الصحفي شاكر علي التكريتي في مذكراته حصلت أثناء وزارة نوري السعيد ...جاء فيها :
يقول : ذهبت ذات مساء بصورة إضطرارية إلى بيت نوري السعيد ، مصطحباً معي بياناً طلب مني مدير الدعاية العام عرضه على الباشا قبل إذاعته ، أدخلني الحارس إلى صالة المنزل في إنتظار الباشا ، بضعة دقائق جاء وهو في ملابسه المنزلية ، فصافحني وأوصى لي بقدح من الشاي وبدأ بقراءة البيان ، وماهي إلا دقائق حتى جاء الحارس ليبلغه بأن معالي الوزير أحمد مختار بابان قد جاء لزيارته ، فطلب منه إدخاله على الفور ، فتبادلا التحية وجلس بجانب السعيد ، وحين سلمني البيان بعد قراءته ، نهضت للإنصراف ، فأجلسني لشرب الشاي ثم قال لبابان تفضل إذا كان لديك أي موضوع إطرحه فشاكر ليس غريب .
قال بابان : والله ياباشا أنا خجلان منك، هناك شاب كردي من معارفنا حاصل على بعثة حكومية لأنه متفوق والمفروض أن يسافر ، لكنه إعتقل في تظاهرة منذ أسابيع ، والأيام تمضي وسيسقط حقه بالبعثة وأمه المسكينة كانت تنتظر أن يعود بشهادة عليا ، وهي تبكي عندنا في البيت .
نادى الباشا على الشرطي وطلب منه أن يطلب له مدير الأمن على التلفون ، وهكذا كان فاعطاه إسم الشاب المسجون وطلب إرساله إلى منزل السعيد على الفور ، يقول شاكر : نهضت مستأذناً فطلب مني الباشا أن ابقى جالساً في مكاني، وبعد حوالي النصف ساعة أدخل شاب بملابس رثة، ويبدو أنه يعرف أحمد بابان، فقد سارع للسلام عليه باللغة الكردية ، بينما بادر بابان لتأنيبه ، فطلب منه السعيد أن يترك الشاب وخاطبه قائلاً :
إصعد على سطح هذه المنضدة، فتردد الشاب قليلاً ، فنهره السعيد قائلاً :
إذا متصعد سأعيدك إلى الأمن .. وبعد أن إضطر الشاب للصعود وقف مترقباً ما يحصل ووقفنا نحن مذهولين ، فقال الباشا ( يلا هوّس نفس الهوسة إللي چنت تهوّسها من لزمتك الشرطة ) ، توقف الشاب مذهولاً ، فصرخ فيه السعيد ( هوّس) لو أرجعك للأمن ؟ ، فبدأ الشاب يردد مضطراً ونكس رأسه وبدأ يردد ( نوري السعيد القندرة ....وصالح جبر قيطانه ) ، وكان السعيد يضحك ثم طلب من الشاب أن ينزل فإقترب منه وأمسك بإذنه وقال له :
[ لك إبني روح كمّل دراستك وأخذ الشهادة وبعدين تعال إشتمني آني وصالح جبر]... وأخذ ورقة صغيرة وكتب عليها وسلمها للشرطي يأمر فيها بإطلاق سراح الشاب وإتمام معاملة بعثته ، وخرج الوزير بابان وخرجت معه وأنا أحمل بذاكرتي حادثة لا تنسى ..
شاكر علي التكريتي معلم وكاتب وصحفي ..من مواليد 1911 ...وتوفي 2001 .