الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
زواج إبنة تسع.. بين الشرع والدستور والتعديل

بواسطة azzaman

زواج إبنة تسع..  بين الشرع والدستور والتعديل

عبد الخالق الشاهر

 

كلمة لا بد منها

هي نصف المجتمع.. هي القارورة.. هي آمنة والزهراء. هي التي وضعت الجنة تحت اقدامها.. هي الأم والزوجة والأخت والخالة والعمة. هي الحضن الدافئ الذي لا يبرد.. هي نصف المجتمع.. التي تهز المهد بيد وتهز المجتمع باليد الأخرى.. هي الخنساء ومدام كوري وفلورنس نا يتنجيل هي أخيرا الموقف منها يحدد مدى ديمقراطية الأنظمة السياسية والأحزاب، وبه تقاس ديمقراطية ورجولة وشهامة الرجال وليس بالتنظير والانتخابات وتداول السلطة والفصل بين السلطات.

موقف الشرع

قبل أربعين عاما زرت أخي الكبير وكان لديه رجل دين قدمه لي على انه الشيخ عبد الكريم بيارة عالم الدين الكردي المعروف مقامه العالي.. بادرني أخي بالقول يستطيع أن يجيب على كل شكوكك وتساؤلاتك.. بعد مقدمات بسيطة سألته سؤالي الأول وهو كيف تزوج رسول الله محمد (ص) من أم المؤمنين عائشة - ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) - وهي ابنة سبع وبني بها وهي ابنة تسع .

تحريف الاسلام

سألني الشيخ: أخبرني عن الصورة التي كونتها في ذهنك عن نبينا محمد (ص) أجبته بكل ما في ذهني.. أجاب: عليه انت تعد محمدا رجلا عظيما فهل تتصور ان من يحمل هذه الصفات والأقوال والأفعال يمكن ان يتزوج ابنة تسع؟؟ اجبته: كلا بالتأكيد.. قال: وهو كذلك حاشاه ان يكون فعلها، وقدم ادلته. مرت العقود وكأنها دقائق تعمقت فيها بدراسة التأريخ الإسلامي وقرأت الكثير عن السيرة النبوية بشكل مختلف حيث درست محمدا النبي ومحمدا الرجل ودرست الإسرائيليات وكيف لعبت دورا في تحريف الإسلام بعد رحيل النبي وانقطاع الوحي، وبت استخدم عقلي لفرز تلك الإسرائيليات فمثلا أجد ان سورة الإخلاص والمكونة من سطرين فقط قيل فيها ان من قرأها مائة مرة غفر الله له ما تقدم وما تأخر من ذنبه فأجد القول من الإسرائيليات، وبهذه الطريقة عرفت ان قصة زواج النبي من عائشة هي من الاسرائيليات.

قبل أيام فقط لاحظت خطابا للشيخ اللبناني ياسر عودة الذي يعجبني سماعه كثيرا. يقول ((من وين جبتوا هاي الكذبي وهي انو نبينا محمد تزوج عائشة بعمر تسع سنين)) وقدم الأدلة على ان الزواج حصل في سن 18 فأكثر، وذكر الإسرائيليات أيضا، وأعطى سببا مضحكا ومؤلما لما يجري عندنا اليوم قائلا ان الرواية تلك اعجبت العرب لأن فيهم منحرفين يحبون(الزغار).

رأيان مختلفان: -أنقسم العراقيون الى قسمين بهذا الاتجاه. الأول يرى أن الزواج بابنة تسع منح الجنسين حرية التصرف ولم يجبرهم على الزواج بسن معينة، وعلى وفق هذا الرأي يمكن بالقياس ان نقول إن علينا تعديل قانون المرور مثلا بحيث يمنح إجازة السوق لابنة تسع ولا يقيد حريتها ناسين او متناسين ان ابنة او ابن تسع وتحريرهما من قانون المرور يعني كوارث ستحصل لأن المنطق يقول انهما لا يمكن ان يقودا مركبة ، فكيف يمكن ان تقود بل وتصنع اسرة تكون اما وزوجة وتربي وتعلم وتكون ربة منزل وهي ليس لديها ميزان تزن به الأمور وبما ان الاقتصاد العراقي هو صاحب سرقة القرن وما خفي كان أعظم فأن ابنة تسع قد تغريها التاهو والقصر والمسبح وهذا ما يغري أهلها طبعا فتحصل جريمة اغتصاب سلمية وقانونية بموجب التعديل ومستندة شرعا الى الرواية الكاذبة عن النبي محمد (ص). والقسم الآخر يرى ان الزواج هو شراكة وقرار يتخذه طرفان مدركان أحدهما ضعيف (المرأة حتى لو بلغت سن الأربعين في عالمنا الثالث فهي ضعيفة) وينبغي للمشرع ان يحميها من الزلل كونه على الأقل يمنع زواجها قبل ان تمتلك قدرتها على وزن الأمور وهذا ليس متاحا قبل سن 18 بشكل عام، وأختتم هذا الجانب هنا بالقول ان النص القانوني يؤخذ على إطلاقه وعندما يصاغ نص يمنح الحرية في هذا المجال فيمكن توقع زواج رجل تسعيني بطفلة في التاسعة أي بتعبير أكثر دقة طفلة في الصف الثاني الابتدائي، ونعود الى قصص التفخذ والمداعبة

جرح المشاعر

أتوقف هنا لأني وصلت الخطوط الحمر ولن اناقش باقي فقرات التعديل فقد اجرح مشاعر البعض الدينية او المذهبية رغم أنى في الحق لا اجامل الا في هاتين الحالتين فمن انا مختلف معه في الدين أو المذهب فله دينه ومذهبه ولي ديني ومذهبي، ولا يجوز جرح المشاعر لأني لم أختر ديني او مذهبي الأمر فقط أني ولدت في حديثة فصرت مسلما سنيا والآخر ولد في الشطرة وصار شيعيا ومن ولد في الهند صار هندوسيا، وعليه هم وأنا لا نتحمل الاختلاف ولا أدرى لماذا نتشدد ونكفر بعضنا بعضا؟؟ وهل ان الاختلاف والتشدد فيه هو لصالح أي منا؟؟ كلا بالتأكيد انه لصالح أمراء الطوائف من الفقهاء والساسة فهم من يستفيد وقت الانتخابات كحماة للدين او المذهب وهذ يطبخ وذاك ينفخ وهذا يحضر مجالس (الدرباشة) وكل ذلك اوجزه سيدنا الحسين بقوله ((الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت معائشهم...)).. مع العرض أن الملاحظ هو ان الدين او الحزب او أي جماعة عندما تنشطر يصبح الشطران اشد عداء لبعضهما من عدائهم للأعداء الحقيقيين فعندما انشطر البعث الى عراقي وسوري تمكن العراق من تحقيق جبهة مع الشيوعيين مثلا لكنه وحينها لم يفكر بالبعث السوري وهكذا تجد الإسلام الشيعي والسني وكيف حصل القتل بين الطرفين والذي لو استمر لما بقي عراقي اسمه على او عمر ولعل ما نحن بصدده اليوم من تعديل هو تقنين الطائفية أي ترسيخها قانونا.

موقف الدستور: -

دستورنا يتأرجح بين الدولة الدينية والدولة المدنية ففي ديباجته   يشير الى (اديان السماء) وفي مادته الأولى يقول((نظام الحكم ... جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي)) ولعل الايمان بأديان السماء يعني انه ليس دولة اسلامية ،والأمر نفسه تؤشره المادة الأولى اعلاه، اما المادة 2 منه فتؤكد حالتان في الفقرة آ وهو ان الأسلام دين الدولة الرسمي ولعل من يعرف ان الدولة واجبها تقديم الخدمات للمسجد والكنيسة.

 والمعبد سيعرف انه لا توجد لديها اديان رسمية وغير رسمية فالدولة دولة فقط ..والفقرة نفسها تقول أن الإسلام مصدر أساس من مصادر التشريع ولو كانت دولة دينية لقلنا المصدر الأساس وليس مصدر أساس ..يعود الدستور ليقول في المادة نفسها (( لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الأسلام ،بينما يؤكد بعدها مباشرة على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الديمقراطية وبعدها لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات، وبالتالي فأن دستورنا أخذ الوسطية بين الدستور التركي العلماني النافذ والذي لا يفتأ راعي الدولة فيه ان يتحدث بدافع امبراطوري عن الإسلام اكثر من حديثه في السياسة  ((، الجمهورية التركية جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية، تقوم على سيادة القانون..)) وبين الإيراني النافذ ((نظام الحكم في إيران جمهوري إسلامي)) وفيه ((الإيمان بالله الأحد (لا إله إلا الله) وتفرده بالحاكمية (والتشريع)، ولزوم التسليم لأمره)) وبما أن خير الأمور أوسطها هي من اقوال الحكماء وليس كما يتصور البعض فأن علينا التسليم بأن دستورنا بحاجة ملحة الى تعديل، فأما جمهورية العراق بنظام تعددي ديمقراطي، وأما جمهوري إسلامي عيراق.

نستنتج من كل ما سبق ان الشرع لا علاقة له بالتعديل غير المرتقب، اما الدستور فنص على مساواة المرأة بالرجل ((العراقيون متساوون)) وأكد بالمادة (29) منه على أن ((تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة)) ولم يشر الى غير الدولة ممثلة بالقضاء، ولكي يكون ذلك الواجب سهلا ينبغي التوعية بأن الأم ينبغي حمايتها ولا يمكن حماية أمومة بسن التاسعة ولن ترعى الأم الطفلة اية طفولة، وأن النص اعلاه يؤكد أنها صاحبة الحق بحضانة الطفل.

خاتمة                                

اختتم حديثي بجوهر الموضوع، وهو ماذا يريد من وضع مسودة التعديل؟؟ أهو يريد دولة مدنية أي يريد أن تصبح المواطنة هي المعيار ويكون الوطن للجميع ويزدهر ويتقدم؟؟ أم أنه يريد دولة إسلامية؟؟  واليوم وبعد جهود قرون خمسة لم يعد هناك اسلام في الواقع بل هناك سنة وشيعة، طيب.. المواطن الشيعي له حق مطلق في أن يقلد مرجعا، ولعل هناك العشرات من المراجع العظام، ولكل اجتهاده أو بصمته على الأقل. كيف سيكون موقف القاضي من زوج يقلد مرجعا وزوجته تقلد مرجعا آخر؟؟ وكيف سيدرس الطالب في كلية القانون قانون الأحوال الشخصية؟؟ هل ان عليه ان يدرس آراء كل المراجع العظام؟؟أين سيكون موقع الدولة ودستورها؟؟

ركزت على ابنة تسع مع علمي بوجود جوانب مهمة أخرى في قانون التعديل بل وتوجد خروق دستورية أخرى إلا أنى اخترت الفجيعة الأكبر الزواج بسن البلوغ وليس الرشد.. ولعل من الخروق الدستورية ان المدونات سيضعها فقهاء الشيعة والسنة وهذه المدونات هي تشريع بكل الأحوال ولعل التشريع هو اختصاص دستوري حصري للسلطة التشريعية لا يمكن لتلك السلطة تخويله لأأية جهة كانت.

 

 


مشاهدات 26
الكاتب عبد الخالق الشاهر
أضيف 2024/08/31 - 4:50 PM
آخر تحديث 2024/09/01 - 3:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 72 الشهر 72 الكلي 9988694
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير