ربطة عنق الشرع تفوز على عمامته
نبراس المعموري
ظهر أحمد الشرع مؤخرًا خلال استقباله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان٬ والرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، مرتديًا ربطة عنق، وهو تغيير ملحوظ في أسلوبه الذي كان يميل إلى الطابع التقليدي غير الرسمي. هذا التحول في المظهر أثار تساؤلات حول دلالاته، خصوصًا في ظل الأهمية الرمزية التي تحملها الملابس في المشهد السياسي، حيث يُنظر إلى التفاصيل الشخصية باعتبارها انعكاسًا للمواقف والرسائل التي تظهر الانتقال إلى المظهر الرسمي للعب دور أكثر تأثيرًا في السياسة على المستويين المحلي والإقليمي. و التواصل مع الشركاء الدوليين.
ربطة عنق
إلا أن السؤال الأهم ما موقف هيئة تحرير الشام؟
تولي هيئة تحرير الشام المعروفة بمواقفها المحافظة، أهمية كبيرة للرموز والمظاهر التي تُعبر عن هوية قادتها وأعضائها. في هذا السياق، يمكن افتراض أن ارتداء أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) ربطة عنق خلال لقاءاته الرسمية قد أثار تساؤلات داخل الهيئة من هذا التحول. خاصة ان الهيئة تتجنب رموز الحداثة التي ترتبط بثقافة الغرب وتعده انفتاحاً على الثقافة الغربية إلا ان من يراجع الاستراتيجية السياسية لهيئة تحرير الشام منذ سنوات .
تحاول إعادة صياغة صورتها أمام المجتمع الدُّوَليّ كقوة محلية معتدلة نسبيًا، وقد تُفسر هذه الخطوة في هذا الإطار. إلا انه لا يمكن إغفال ردود افعال الأعضاء المتشددون الذين قد ينتقدون هذه الخطوة، معتبريها خروجاً عن الثوابت التي تلتزم بها الجماعة، ويرون فيها تنازلًا غير مقبول. لذا فإن الهيئة أمام تحدي التوازن بين القواعد والجمهور ، وقد تستخدم جماعات دينية متطرفة منافسة هذه الخطوة لانتقاد الهيئة واتهامها بالتخلي عن مبادئها الأساسية. تغير تدريجي في الشكل !! لم يكن تحوُّل احمد الشرع المعروف سابقا بالجولاني من زعيم جهاديّ إلى سياسيّ معارض أمراً حديثاً، بل تطوّر بعناية على مرّ السنين، وكان ذلك واضحاً بسبب تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية ، وكذلك مظهره الذي تغير بالتدريج من الشاب احمد الشرع حليق اللحية ذو شعر قصير يبلغ من العمر 24 عاما إلى أبو محمد الجولاني٬أمير جبهة النصرة الذي لا يظهر وجهه، و يغطي شعره.
وبعد فك إرتباطه بالقاعدة ظهر الجولاني عام 2016 أول مرة في فيديو مصور كاشفاً عن وجهه، وهو يرتدي زياً عسكرياً٬ رابطاً على رأسه عمامة بيضاء.
وفي عام 2017 بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب شمال غرب سوريا، تغير الشكل الذي كان يظهر به الشرع٬ فبدأ يظهر بالزي العسكري مع قبعة عسكرية. وحافظ الجولاني على زيه العسكري بعد عملية «ردع العدوان» في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 2024 وسقوط نظام بشار الاسد وإعلان تشكيل الحكومة المؤقتة.
إلا انه فاجئ الجميع قبل أيام ليظهر مرتديا الزي المدني ببدلة رسمية وربطة عنق !!
جدوى التغيير وانقسام الاراء
ان دلالات ارتداء ربطة العنق من قبل احمد الشرع في هذا التوقيت بالذات يعبر في علم السياسة عن رسالة التغيير والانفتاح والتفاوض في محاولة مباشرة او غير مباشرة لتعزيز الثقة والموازنة بين التقليد والحداثة والانخراط في عالم السياسة من باب آخر، و بالرغم من انقسام الآراء حول ظهور الشرع بربطة العنق بين مؤيد ورافض، نرى أن تغيير المظهر بهذه السرعة قد لا يعبر عن تغيير حقيقي في المواقف أو السياسات ، خاصة أن التسلسل الزمني لتغير صورة الشرع عبر سنوات مضت يؤكد ان الأخير بالرغم من تغير مظهره وملابسه، إلا أن لديه أستراتيجية نابعة من أيدلوجية وثوابت أعتمدها مسارا أساسيا في عمله السياسي . وعليه فإن التغيير الحقيقي المطلوب من الشرع لابد من أن يتزامن مع خطوات فعلية على الأرض تظهر هذا التحول خاصة مع شوط التغيير السوري المرهون بتوقيتات محددة في مارس من العام المقبل.
ختاما … لابد من ألإشارة أن التحول التدريجي في صورة الشرع، يمثل حالة مهمة للدراسة والبحث من قبل المختصّين في التسويق السياسي، وصناعة الصورة العامة للسياسيين. وتعد مناسبة لتحليل انعكاس الصورة جماهيرياً وسياسياً وما ترتب عليها إيجاباً وسلباً خاصة في حِلْبَة النزاع والتجاذبات المرهونة بخطابات ومساهمات ذات طابع ديني متطرف.