خالد محمد أمين .. وصي على ممتلكات الفقراء
عادل سعد
لم تغادره الاناقة في يوم من الايام ، ملابس مترفة وربطة عنق تعلن عن سطوعها بالمزيد من التنافر ، وأطلالة دمثه تحمل نضارة الاشجار اليانعة ، ومع كل الترف الذي تميّزَِ به إلا إنه ظل مستعداً ان يخوض معارك ضاريةً من اجل الحصول على رغيف خبز لفقير من فقراء الناصرية .
قصيدة طازجة
كان يشق طريقه يومياً في شوارع المدينة يتقاسم الطرائفَ مع قافلةٍ من الاصدقاء دون ان يخلو جيبه من قصيدة طازجة بطعم الحزن يتلوها همساً بحياء طائر اودع جناحيه عند نخلة جنوبية
خالد محمد امين الشاعر والسياسي الصامت مهندسٌ ورعٌ للابتسامات الامينةِ على الصدق ، لم يتطاول على الصمت حين تقتضي الضرورة ذلك. وكانت طقوس التجوال على شاطئ الفرات حتى حدود بستان زامل واحدة من التقاليد التي أختص بها .
•ولد خالد عام 1944 وهو من عائلة كردية سكنت الناصرية واصبحت جزءاً حيويا من هذه المدينة ، وخلال دراسته الجامعية كتب الشعر ونشرت له عدة قصائد ومنها القصيدة التي نشرها في مجلة الناصرية مطلع سبعينيات القرن الماضي ،وفي هذه المجلة ، نشرت اول محاولة شعرية لي بعنوان( البصمات) التي شرفني صديقي عزيز السيد جاسم في كتابة مقدمة تعريفية بها . كان خالد محمد امين شيوعياً صارماً في توجهاته ، وكان لديه المزيد من الاحلام ان يقود فصيلاً لنجدة الجنوب العراقي في صلةٍ لم اعرف حجمها مع الحزب الشيوعي العراقي ،القيادة المركزية التي قادها عزيز الحاج ثم انفرط عنها بعد سنوات تحت اغراءات السلطة العراقية الحاكمة انذاك مع عدد من القياديين .
ارتكاب مجزرة
لقد كان لهذه التجربة القاسية احلام طوبائية غرقت بين شواخص القصب والبردي بيد أنها أرعبت الجهات الحكومية فسارعت الى ارتكاب مجزرة تجفيف تلك المنطقة المتيمة بالطراوة والطيور المهاجرة •تأتي هذه الطيور من اقاصي الشمالين ، الاوربي ، والا سيوي حيت تتخذ الجنوب العراقي منتجعاً امناً خلال الشتاء ، ،لكن أغلبها يتعرض للصيد الجائر دون أن تتعظ .
•تجربة امين الشعرية خلدت الى الخيال الجامح والغموض وباشرت ايقاعتها بين قصيدة النثر والشعر الحر ، وعلى قصرها ظلت تراوح بين ذاكرة اليأس والتطلع تبعاً للظروف الرهيبة التي تعرض لها .
•كان يتحدث عن البحار بأنفاس الصحراء ويعلن فرحه المكتوم مع موال ملاح شق طريقه بذاكرة الوجع المر ، ،بل كان يزاوج بين النخيل والعشب في خليط مبهج ومبهم في الوقت نفسه لذلك من الصعب ان يرسو المعنى على وضوح تستطيع ان تمسكه . وتلك احدى ضياعات الشاعر ، ولولا احتفاظ بعض اصدقائه بقصائد بخط يده لضاعت تلك الثروة الجميلة البسيطة .
•يقول في قصيدة
لم يقل صمتي، لا فائدة اليوم
ولا نحن انتهينا
إنه يسأل عبر الحلم عنا
وهو إذ تنفتح الأحداق لا يسأل
عن أقدامنا البيضاء، لا يسأل عنا
ربما أخفى وراء السوء عينيك وأغفى
ربما أخفى وراء النبل عينيك وأغفى
ربما أخفي وراء النبل خوفي
قانعاً بالحلم، وفي العتمة
استيقظ مضنى
شاحباً، انكر ما قبّلته خداً وعيناً
(من مقتنيات المهندس جعفر الكيشوان )
•لقد انتهى مشوارخالد محمد أمين الى (قصر) النهاية ، وأصيب بالغرغرينا نتيجة صولات التعذيب التي تعرض لها ، اذ أودعوه في الجناح الامني من مستشفى اليرموك ليموت هناك ، ونقل عن مطلعين في المستشفى حينها انه في الساعات الاخيرة من حياته ظل يردد (انا خالد محمد امين بلّغوا أهلي) وقد وصل هذا النداء الى الناصرية عبر شبكة من الهمس الوجل المحفوف بمخاطر القبض عليه . • لقد وضعوه في سيارة موتى عائدة الى المخابرات ولا يعرف حتى الساعة أين تم دفنه .