الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نبش الماضي وحفريات التاريخ

بواسطة azzaman

نبش الماضي وحفريات التاريخ

كفاح محمود

 

منذ مئات السنين، ونبشُ التاريخ يستهلكُ شعوبَ دولنا ونُخَبِها السياسية والفكرية والدينية حتى تلاشت الرؤية، ولم يعد البصر والبصيرة يرى بوضوح معالم الحاضر والمستقبل، فقد غرقت بحكايات جدّتي وصراعات الأوّلين على السلطة والمال، حتى انقسمت إلى فريقين كل منهما تبنى أحد المتصارعين التاريخيين، ثم ما لبثوا أن أصبحوا فرقًا وطوائفَ وجماعاتٍ، وغادروا الحاضر ونكروا المستقبل، واندسوا بين طيات التاريخ العميقة وهم يمثّلون أدوار المتصارعين، ويتلبّسون أرواحهم وأفكارهم، واستبدلوا السيوف بالرّشاشات وساحات عكاظ والمربد بمنابر الفيس بوك والتويتر وبقية أسواق الشعر والفكر والغناء!

ومقارنةً بين الجهود المبذولة في استحضار التاريخ وصفحاته وأحداثه وصراعاته وتأويل أسباب عقده وتفسيرها، وما ينفق عليها من مال وفعل وضغوطات نفسية واجتماعية وصراعات تترك في العمق النفسي بصماتٍ سوداء تُغيّر المزاج العام بشكل مخيف، مقارنة مع الجهد المبذول للتحوُّل من الوضع البائس في الخدمات الخاصة بحياة المواطن ومستويات معيشته، وفي حقول الطاقة وصناعاتها، وفي الزراعة والأمن الغذائي والصناعة والاكتفاء الذاتي، لرأينا البون الشاسع والخطير بينهما.

حقًا لو أننا أنفقنا ذلك الجهد الضائع في نبش التاريخ وصفحاته وما تنتجه تلك العملية من شدّ نفسيٍّ وإشاعة للفرقة والفتنة والصراعات العبثية وإعادة تدوير صفحات ومواقف واختلافات من التاريخ الجدلي لشعوب هذه المنطقة وعقائدها وانتماءاتها، لاستطعنا بذلك الجهد تغيير واقع هذه البلدان وحياة شعوبها إلى مستويات رفيعة تنافس أرقى بلدان العالم حضارة وتقدمًا.

روايات صحيحة

في التاريخ صفحاتٌ ناصعةٌ وعِبر لِمَن يريد أن يكون حاضره جميلًا، وفيه قصص وروايات ألّفها أناسٌ مثلنا، وربما أقل حضارة وتعليمًا وثقافة من أقرانهم اليوم، وليس من الضروري أن تكون تلك القصص والروايات صحيحة، ويعتمد عليها أو يعتبر منها، ولذلك فإن قراءة التاريخ بفكر نقدي يشكُّ في كل رواية أو حدث سيقودنا للوصول إلى صورة أكثر مقبولية ممّا يريد المؤلف فرضه علينا، ولكن دون النبش الغوغائي والأعمى، فالتاريخ يخفي بين صفحاته حقول ألغام كفيلة بتدمير الحاضر وإقصاء صورة المستقبل إلى سنين ضوئية.

إن بناء حاضر زاهر يؤمّن الحياة الكريمة للفرد والمجتمع، ويوفّر فرصَ العمل والإبداع لجميع المواطنين بعدالة ومساواة، بعيداً عن التفرقة والتناحُر الديني والمذهبي والعرقي، لا يتم عن طريق نبش التاريخ المليء بالصراعات وفرض الإرادات وإنكار الوجود للآخر المختلف، بل بالتعايش السلمي لكافة المكوّنات تحت مظلة المواطنة الجامعة ومصالح البلاد العليا بما يحفظ حقوق الجميع بعيداً عن الأحجام والأعداد.

 


مشاهدات 363
الكاتب كفاح محمود
أضيف 2024/05/25 - 3:05 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 2:58 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 298 الشهر 11422 الكلي 9361959
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير