الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التاريخ لايعيد نفسه

بواسطة azzaman

التاريخ لايعيد نفسه

عبد الهادي البابي

 

مهما كانت صياغة نظريات وتصورات وعبارات العديد من المفكرين والباحثين والمؤرخين جميلة وجذابة عن إمكانية (تكرار التاريخ نفسه) لكنها تبقى مجرد تصورات ونظريات ضعيفة تدور في حلقة الترف الفكري لاأكثر....فالتاريخ لا يعيد نفسه ، ربما قد تتكرر بعض من ملامحه القديمة في الواقع الجديد، إلاَّ أنها سريعاً ما تتلاشى وتُمحى ولايبقى من أثرها أي شيء..ولو أن التاريخ يعيد نفسه لكانت الحياة قد تجمدت عند فصل واحد من فصولها الزمنية التي لا تشبه فصول السنوات وثبات تحولاتها ومناخاتها..!

فالتاريخ نهر لا يعرف التوقف ، ولا يكفُّ عن التغيير، قد يكون هذا التغيير سريعاً في مكان من الأرض، وبطيئاً في مكان آخر منها، ويتوقف ذلك على نشاط أبناء هذا المكان أو ذاك أو كسلهم ، وهوما يثبته واقع الحياة في عالمنا المعاصر، حيث أثبتت حركة التاريخ وجودها الحافل في بعض مواقع من الكرة الأرضية في مقابل وجودها البطيء في أماكن أخرى من الكرة الأرضية نفسها....وهذا دليل على أن تاريخ الشعوب وتاريخ الأحداث لا يتكرر، لأن الزمن نفسه لا يتوقف ولا يعطي فرصةً للتكرارالكامل .

وفي بداية القرن العشرين ظهرت دراسات مستقبلية عن الواقع ومشكلاته ، وفي مقدمتها مشكلة الصراع بين القديم والجديد ، ذلك القديم الذي يريد إثبات أن التاريخ يعيد نفسه ، ويحلم بأن تتوقف الشعوب عند فترة معينة ، والجديد الذي يريد إثبات أن التاريخ لا يكرر نفسه ، وأن وقوفه عند فترة معينة ضرب من المستحيل ، وكلما أستمرت مسيرة الحياة صاعدة نحو المستقبل ، زاد إنتصار الجديد حضوراً ورسوخاً..وأنكفأ القديم متوارياً خلف حجب الزمان الغابر !

ولهذا فأن أحلام وتمنيات الكثيرمن الشعوب والتجمعات البشرية في العالم بإن يعود بعض رجال التاريخ - بشخوصهم نفسها - إلى حاضرنا ليمارسوا دورهم وسلطتهم من جديد ويغيروا واقع الناس هي مجرد رغبة منهم في تغيير واقعهم الذي عجزوا عن إصلاحه وتغييره بأنفسهم ..ورغم مشروعية هذه الرغبة من ناحية حالة الأمل بالمستقبل الأفضل لهم إلا أنها رغبة تصطدم بحركة التغييروالزمن وواقع الحياة البشرية .. إن وضوح الحقيقية العلمية بإن (الأرض تدور) هو أعتراف مباشر بأن الحياة لا تكف عن الحركة والدوران نحو المستقبل ، وفي قراءة عابرة لتاريخ البشرية في قرن واحد فقط ما يثبت هذه الحقيقة ، فما كان عليه حالها في القرن التاسع عشر هو غيره في القرن العشرين، وما سيكون عليه حال البشرية في القرن الحادي والعشرين سيكون أكثر أختلافاً في القرن الذي سيليه ، ومن هنا فلا مكان للتاريخ في أن يعيد نفسه مهما كانت الدعاوى والأمثلة التي يوردها الذين يتجاهلون حركة الزمن ، ولا يؤمنون بإرادة التاريخ المنطلقة بكل قوة ولهفة إلى التغيير..

 

 


مشاهدات 101
الكاتب عبد الهادي البابي
أضيف 2025/01/22 - 11:29 PM
آخر تحديث 2025/01/27 - 1:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 349 الشهر 13019 الكلي 10292984
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير