نقطة ضوء
بعضهم يجهل نفسه
محمد صاحب سلطان
لماذا يفرح الإنسان بمقدم شيئ يجهله؟ كالعام الجديد مثلاً، هل لضجره من أيامه الماضية أم لكونه يبحث عن التغيير بعد أن سأم سويعات أيامه التي إنقضت بين الآه والحسرة، ويريد أن يعوض ما فاته ولو بشئ من اليسير المقرون بالحلم، فالإنسان حريص على ما منع منه، هكذا هي الطبيعة البشرية، فكل ممنوع مرغوب!، فالشغف الذي ينتاب البعض من أي موضوع، وبأي قضية، ليست بقدر قربها أو بعدها عنه، بل بقدر تعلقها بهواجسه ومقدار تأثيرها النفسي عليه وبحاجاته البايلوجية، لذلك نجده، يسعى ويجتهد ويعاند ويغامر ولو على حساب نفسه ومستقبله، من دون أن يضع حدا لتصرفاته التي قد تودي به الى التهلكة في يوم من الأيام عبر تصرف أهوج وردة فعل، تفتقد الى الحكمة والبصيرة، بتبني سلوك طائش، يدفعه الى الإنغمار في متاهة الضياع والتشتت واللاأبالية!، وفي هذا الصدد ،نجد قول (هيرقليس): الحمير تؤثر التبن على الذهب!، منطقي تماماً ،فما الذي يستفيد منه الحمار إذا ما قدمت له الذهب بدلا عن التبن!!.. بيد أنني ،مرة قرأت عن حاكم أراد أن ينشر فضيلة انسان ،فكان قراره بأن يمنع نشرها، لقناعته بإن الناس من خلال منعها، سوف يتهافتون على حفظها ويتفانون في سبيل إظهارها، وهكذا كان، وعلى هذا المنوال، يتداول مختصو التاريخ الكثير من القصص والروايات، التي تشي عن حاجة الإنسان الى معلومة أو موقف أو فكرة أو تصريح، تتناغم مع تطلعاته واحتياجاته النفسية والمادية، مندفعا في التعلق بما يطلق عليه،التكرار والتداول (التاريخ يعيد نفسه)، معتقدا بأن التاريخ يسير على قدمين ،كما يسير الفرد، فلا بد أن تتحرك إحدى القدمين وتقف الأخرى لكي يتم السير إلى الأمام!، وهكذا دواليك حركة البشر، لكن بعضهم يجهل نفسه، ولا يعرف موطئ قدمه!،
وعودة الى ما أبتدأنا به، من تساؤل عن الفرح وشغف التغيير لدا المرء، كيف يتحقق، هل بالتخطيط والترتيب والتنظيم، أم ترك الأمور على عواهلها، تسير على وفق ما تشتهي مجريات الأحداث التي تعصف به، لا يهتم لما يجري في محيطه وخارج أسوار داره ومملكته الخاصة ، لا يعنيه أي شيء ،إلا جيبه ولقمة عيشه، أولئك -وسأتحدث بلغة الجمع - هل تتحقق لهم السعادة الحقيقية التي ينشدونها، وهل الماديات فقط هي من يحقق لهم جوهرها من دون رضا وقناعة ،تتمازج مع حب الآخرين؟، وهذه صفات تصلح لفرد قابع في بيته، ولكنها لا تصلح لفرد يدير دفة سفينة وبداخلها أناس، في بحر شديد الموج، وهو المسؤول عن استمراية بقائهم. ولكننا في هذا الزمن الصعب، نجد أن لا فواصل مشتركة ولا وشائج حميمة، تربط من يتحكمون بمصائر الناس، بعضهم لبعض، ولا يهتمون بمشاعرهم ولا بحاجاتهم، ولا بأولويات حياتهم المعيشية، ولا يفكرون بمستقبل أجيالهم، فقط الاستحواذ والاكتناز، هما يعدان الحلقة المتقدمة في تعاملاتهم، تتكرر أخطائهم، وتتكرر تبريراتهم، فالخطأ لديهم يعد إضطرارا وسلوكا لا بد منه، ودائما ما ينسب سببه الى الضحية وليس الى الجلاد!، بينما بعضهم -للاسف-يبقون عاجزين ومترددين في حل أبسط المشاكل التي تعترض طريق مسار مجتمعهم، حتى ما عادوا قادرين على المضي قدما، أو العودة بهم ثانية لجادة الصواب، فأضحوا مثل (زورية بلعت شصا) كما يقول أهلنا في الجنوب!!.. ولله في خلقه شؤون.