الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رواية (حي بن يقضان ) ..جدلية الوجود والفطرة والتأمل .


رواية (حي بن يقضان ) ..جدلية الوجود والفطرة والتأمل .

عبدالهادي البابي

..............

هذه الرواية من أشهر مؤلفات المفكر والطبيب والفيلسوف العربي  محمد بن عبد الملك بن طفيل الأندلسي الذي ولد في مدينة غرناطة سنة 504 هـ ...حيث درس الفلسفة والطب على يد أعظم فلاسفة الأندلس وأطبائها وعلمائها الكبار وحقق نبوغاً وفهماً وهو في مقتبل العمر، وتولى مناصب في الوزارات والقضاء ، كما كان طبيباً خاصاً للسلطان أبي يعقوب يوسف ، وكان معاصراً للفيلسوف العربي المعروف إبن رشد وصديقاً له..

وقد أشتهر إبن طفيل بكتابه (حي بن يقظان) الذي حاول فيه التوفيق الفلسفي بين المعرفة العقلية والمعرفة الدينية ، وقد تُرْجِمَ هذا الكتاب إلى العديد من اللغات حول العالم ..

وحي بن يقظان هي رواية تحكي قصة شخص يدعى حي بن يقظان نشأ في جزيرة بعيدة وعاش بها لوحده ، وترمز للإنسان وعلاقته بالكون والدين ..وأحتوت الرواية على مضامين فلسفية عميقة ، فهي في مساراتها تمثل قصة العقل الإنساني الذي يغمره نور العالم العلوي ..حتى يصل به الى حقائق الكون والوجود بالفطرة والتأمل بعد أن تلقاها الإنسان عن طريق النبوة ..كما وتؤكد  على أهمية التجربة الذاتية في الخبرة الفكرية والدينية ..

وقد تركت الرواية آثارها على كثير من المؤسسات المعرفية والجامعات والمفكرين والعلماء وتُرجمت إلى اللاتينية والعديد من اللغات الأوروبية الحديثة....وقد قّدر كثير من النقاد هذا الجهد القصصي لإبن طفيل ، حتى عّدوا روايته (حي بن يقظان) كأفضل قصة عرفتها العصور الوسطى جميعاً..!

وللتذكير... فأن قصة حي بن يقضان مرّت كتابتها وفكرتها بعدة مراحل تاريخية ..فقد شارك في تأليفها سابقاً عدة أشخاص من الأدباء العرب والمسلمين ، فكان أول من صاغ ملامحها الأولى هو الفيلسوف إبن سينا ، حيث كتبها وهو في السجن .. ثم أعاد بناءها الشيخ شهاب الدين السهروردي، وبعدها أعاد كتابتها الفيلسوف الأندلسي إبن طفيل ، ثم كانت آخر رواية للقصة من قبل العالم والطبيب إبن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى ، الذي تنبّه إلى بعض المضامين الأصلية الخاصة برواية إبن سينا، والتي لم تكن توافق مذهبه ، فأعاد صياغتها لتكون رواية حي بن يقظان عن صالح بن كامل..

ولكن وبإعتراف الجميع فإن أشهر مؤلف من بين هؤلاء الأربعة والذي صارت القصة تذكر باسمه هو إبن طفيل..

 وقد كان لهذه الرواية أثركبير لدى الكاتب والفيلسوف الإنكليزي جون لوك ، الذي كتب كتاباً يصف فيه العقل كصفحة بيضاء خالية من كل القواعد والمعوقات الموروثة..

وكان لابن الطفيل إسهامات كثيرة في الفلك والطب والشعر، ففي علم الفلك ، ذكر عنه تلميذهُ البطروجي أنه أول من فسّر حركة الأفلاك على نحو مخالف لما قاله بطليموس،حيث أستغنى في تفسيره عن الدوائر الداخلة والدوائر الخارجة...أما في الطب والشعر فقد ذكر لسان الدين بن الخطيب أن لإبن طفيل أرجوزة في الطب والأمراض وعلاجها ، كما كانت له قصائد في الغزَل الصوفي والتأملات الروحية..

توفي الروائي والعالم والطبيب إبن طفيل في مدينة مراكش المغربية عام ٥٨١ﻫ ، وقد حضر تشييع جنازته السلطان والعلماء ورجال الدين والعساكر مع الآلاف من المشيعيين والمحبين الذي يعترفون بمكانته ومنزلته العلمية في ذلك العصر..

 


مشاهدات 123
الكاتب عبدالهادي البابي
أضيف 2025/01/11 - 2:06 AM
آخر تحديث 2025/01/11 - 4:37 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 369 الشهر 5150 الكلي 10095115
الوقت الآن
السبت 2025/1/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير