مروّيات لبنان تتحدى المواجهات بلغة الذاكرة
خالد محسن الروضان
ثمة زمن يمضي، ولكن يعيده الاستغراق في خضم كشف المستور واعادة الحياة وترميمها بلغة جديدة.
لبنان هذا البلد المقتول لم تستقر له ساعه ولم تنم له عين الا على القتل والتشريد والاحتلال لقد ظلم لبنان بأهله وحلت به المأسي والحروب، وهل سيظل مظلوماً وممزقاً لم يعرف له اخر ولامنتهى.
انني وبكل فخر انضم الى روح ووجدان هذا البلد الذي سطر حياته بالشجاعه والمكابره والقتال الشرس مع تحديات الحياة الصعبة والمتغيرات السياسية والاجتماعية التي مرت.
ان نقل الصورة والاحداث التاريخية وتفسير المتغيرات ضمن المسيرة الذاتية التي امتدت منذ عام 1969 بنمط يغلب عليه السرد الصوري لحكايات الزمن السالف، التي صور فيها لبنان:- البلد المقتول و أن دل هذا على شيء فأنما يدل على الاحساس الوطني المؤلم الذي يعبر عن مشاعر كل العرب الشرفاء.
معالم سياحية
الحكاية الاولى :- وقعت بين يدي هذه الايام رسالة صديقي المصور صالح مهدي التي بعثها في سبعينيات القرن العشرين من لبنان، حينها كان يعمل في استوديو للتصوير هناك وبرفقة الرسالة صورة التقطها ( لصخرة الروشة ) وهي من المعالم السياحية المشهورة في لبنان، قرأت بالرسالة عن فرحتة وهو يتنقل مع كامرة التصوير بين ربوع لبنان الجميلة واصفاً جمال الطبيعة وعذوبة المناخ، ومافي لبنان من مرافق سياحية فنادق الدرجة الاولى، ونوادي وملاهي ليلية وصالات وصوت طبولها وموسيقاها التي تطرب ( زرياب ) في قبره شارع الحمراء صاخب ومزدحم بنساء ساهرات وعيون غافيات لاهيات.
لقد اختصر وصفه على الجوانب السياحية في لبنان اي مثل ما اسماه البعض ( لبنان فندق سياحي ) واهمل الوجه الاخر الذي تجلئ بتدوين كل الاحداث والمتغيرات السياسية والاجتماعية التي مرت على لبنان وماغيرت من منطلقات حياته ثابته لبنان رسالة عربية.
الحكاية الثانية :- في عام 1971 كنت ناشط في الحركة الطلابية رئيساً لفرع الاتحاد الوطني لطلبة العراق في ميسان زارنا وفد طلابي ( سفره ) من طالبات وطلاب جامعة بيروت وكان على رأس الوفد الدكتور عبد المجيد الرافعي وقد اطلعنا عن الغاية من زيارة الوفد هي لغرض توحيد روئ الشباب العربي ونظالهم وأكد ان لبنان لاتواجه صراعاً طبقياً مثل العراق..
قال :- نحن نواجه تحدي من نوع اخر تمثل بتهديد هوية لبنان، ان خوفنا على هوية لبنان تجسد في نظالنا ضد قوى الاستعمار والصهيونية نريد منكم عناصر مثقفة ترافق الوفد وتطلعهم على اهمية القيم والمبادئ العربية في الحفاظ على هوية لبنان وسط هذا الصراع المحتدم على الساحة اللبنانية.
شكلت لجان ثقافية من ( خالد محسن الروضان ، هيثم سامي النعيمي ، علي حسين كايد ، شهاب احمد العلي ، صباح عبد المجيد السوداني ، عدنان عاصي الجنابي ، هشام محمد ثامر) انتقلنا على الفور برفقة الوفد الى ميدان العمل في ناحية الكحلاء حيث هناك حملة عمل شعبي لبناء ( قرية عصرية ) .. بعد ان شقت الوحدة الميكانيكية بحفاراتها نهر لري الاراضي الزراعية في المنطقة وانضم الينا السيد محسن المطير رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية ومجاميع من الفلاحين يتقدمهم وزير الزراعة عزة ابراهيم مع عبد تركي مدير دائرة زراعة ميسان رئيس اللجنه وعبدالجبار عجرش وجبار شنون وبعد قيام الوفد بجولة في نهر المعيل انتقلنا الى ميدان العمل زحفنا تحت هتاف بصوت الاستاذ عبد المجيد ( من بغداد هلت البشائر بعيون هل شباب الثائر ) وتدافع الجميع على حمل الطابوق وخبط الاسمنت والرمل لنقلها الى اساسات البناء ولاتزال هذه التجربة خالدة بالذاكرة القرية تسمى ( قرية الرافعي ) وهي ستظل شاهد على العصر بعدها غادر الوفد تارك ذكريات حلوة وعناوين لتبادل الرسائل والزيارات.
عدوان اسرائيلي
الحكاية الثالثة :- عام 1976 تفجر الصراع داخل لبنان وترافق معه العدوان الاسرائيلي تطوع شباب محافظة ميسان للمشاركة في نصرة لبنان شأنهم شأن اخوانهم العراقيين ونقلنا على متن سفينة اختبئنا خلف اكياس الفحم في قاع السفينة لكي نتخلص من تفتيش البوارج الاسرائيلية.
وعند وصولنا تم تكليفنا بواجب حماية المنشأت الحيوية وعشنا القتال الضاري والشرس الذي يخوضه شعب لبنان دفاعاً عن وطنهم لقد شهد لبنان العديد من المؤامرات والحروب التي كانت اكبر من حجمه.
الحكاية الرابعة :- عام 2006 انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة اللبنانية العربية سافرت مع عائلتي الى لبنان في ذلك الوقت عن طريق سوريا بالحافلات ونحن نتنقل في ربوعها التي تحفها اشجار الارز شاهدنا حجم الدمار الكبير الذي خلفه العدوان الاسرائيلي الوحشي لكن الحياة لم تتوقف واصرار شعب لبنان على اعادة البناء وديمومة الحياة اي وطن واي شعب هذا لبنان رغم النكسات والتضحيات يبقى شامخاً متمسكاً بأرضه.
الحكاية الخامسة :- لبنان منذ 7 تشرين عام 2003 (طوفان الاقصى ) يواجه نفس الموجات الوحشية الهمجية من الصهيونية والامبريالية. تعجز الكلمات عن وصف هذا البلد الصامد لبنان وغزة يكتبان التاريخ بالدم العربي بعد ان تخاذل الايراني وتنصل عن دعم المقاومة.
شعب لبنان وفلسطين يكتبان التاريخ تحت دوي القنابل ولعلعت الرصاص وازيز الطائرات ودخان المتفجرات وتدمير البيوت على رؤوس اصحابها وقتل المدنيين اطفـــــــــال وشيوخ ونساء.. سينتصر الشعب وتعود لبنان وغزة الى احضانها العربية واخر القول ان العروبة في لبنان وفلسطين لم تكن احضان بل هي انتماء عربي اصيل