ذاكرة لبنان التراثية.. الزجل في ذاكرة بيروت
غفران حداد
الزجل فن من فنون الأدب الشعبي وشكل تقليدي من أشكال الشعر العربي باللغة المحكية، وتعني كلمة زجل بالعربية «الصوت» ويكون عادةً ارتجاليًا، في شكل مناظرة بين عدد من الزجّالين (شعراء ارتجال الزجل) مصحوبًا بإيقاع لحني بمساعدة بعض الآلات الموسيقية ، في الزجل أسلوبين المنفلت من الإيقاع وهو «نثر النغمات» لا انضباط موسيقيًا فيه ولا التزام بحدود الوزن وقواعده، و«نظم النغمات» وهو المتّبع قواعد النظم وبحوره وأصولها ،ويعتبر جزءًا مهمًا من التراث الثقافي اللبناني ويساهم في تعزيز الهوية الثقافية للبلاد والحفاظ على التراث الشعبي الغني والمتنوع في لبنان وقد اعتمدته اليونِسكو رسميًّا في تشرين الثاني /نوفمبر 2014 على “لائحة التراث الثقافي غير المادي”، بسبب اتصافه بتعزيز التماسك الاجتماعي، وتميزه بالهوية الثقافية ، و بدأ ينتشر في القرى اللبنانية عام 1920 وكانت تبدأ مراسم الحفل مع “شيخ القواله”، رجل كبير في السنّ يحمل بيده آلة شبيهة بالدفّ، تُدعى “الطارة».
بدايات الزجل
تشير المصادر ان بداية الزجل المكتوب والمدوّن كانت في القرن الثاني عشر للميلاد، عندما نشر سليمان الأشلوحي (1270 - 1335)، من بلدة أشلوح في عكار، قصيدته عن نكبة طرابلس، التي سقطت في أيدي المماليك العام 1228، ويقول مطلعها:
«يا حزن قلبي، وما يخلّي من أحزاني
والقلب من الحزن شاعل بنيراني»
وقد ظهر من بعد الأشلوحي الكثير من الزجالين على مر الزمان في لبنان: مثل جبرائيل القلاعي (1450- 1516)، وقد كتب أكثر من 25 مطوَّلة، متنوعة المواضيع، وفي منتصف القرن الثامن عشر، ظهرت العديد من أسماء كتّاب الزجل، مثل وردة الترك (1797 - 1874)، ، ويوسف الحاج متى المعلوف (1835)، ومنصور شاهين الغريّب (1848 - 1920)، وغيرهم الكثير، أما في العصر الحديث فلمعت اسماء كثيرة من شعراء الزجل من الأمير بشير الشهابي فأمين الريحاني وجبران وناصيف اليازجي وسعيد شقير، وصولًا إلى مرحلة التجديد في الزجل مع «أميره» رشيد نخلة، وبعده عبد الله غانم، ميشال طراد، أسعد سابا، عاصي ومنصور الرحباني، غابي حداد، إيليا أبو شديد.
الجوقات الزجلية في لبنان
كانت جوقة شحرور الوادي (الشاعر أسعد الخوري الفغالي) أولى الجوقات، والنواة التي انطلقت منها جوقات أخرى. تأسست في العام 1928، وضمّت في بدايتها إلى الشحرور: أمين أيوب، يوسف عبد الله الكحالة، إلياس القهوجي، ثم انضم إليها بعد ذلك علي الحاج، طانيوس عبده، وأنيس روحانا ،وظهرت بعدها عدة جوقات للزجل وتوقف نشاطها لكن جوقة القلعة التي تأسست في تشرين الثاني من العام 1972، واستمرت هذه الجوقة في تألقها الشعري وتحدياتها المنبرية إلى أن توقفت جزئيًا في العام 1975 بسبب أحداث الحرب الأهلية اللبنانية ، ثم عادت واستأنفت نشاطها في العام 1990، وما زالت حتى اليوم في طليعة الجولات.
وغنت المطربة الراحلة صباح موال زجل للشاعر “ طانيوس الحملاوي»
«واقفي عَ شط البحر بكّاني السفر
مين قدّي تلوّع... ومتلي نَطَر
مع كل موجه رايحه ببعت سلام
ومع كل موجه راجعه بنطر خبر»
وكان لشهرة الموال واحدًا من أسباب التصاقه بالذاكرة الشعبية اللبنانية.
مواقع التواصل
ساهمت التطبيقات الإلكترونية في تعريف جمهور الثورة الرقميّة بكبار شعراء الزجل اللبناني ، وكانت لمواقع التواصل الاجتماعي مرآة لإبداعهم، لعل ابرزهم ،الشاعر خليل روكز وكان الأخير أستاذ الشعر الغنائي ولد عام 1922 في وادي الليمون بقضاء جزين ،ارتجل الزجل في سن الثامنة عشرة من عمره، وألّف جوقة الزجل اللبناني عام 1956، توفي في أوج عطائه وهو في سن الأربعين تاركا مجموعات شعرية منوعة منها(حرمان، هند وجميل، دموع الطير، النسمات، القمر، روحين، يقظة الأحلام، مع المغتربين، الأسرار)وبعد وفاته طبعت جميع أعماله بديوان كبير سميَّ ( ديوان خليل روكز)، من أشهر قصائده الزجلية:
«يا حلوي يا كحل العين لا تزوري العين بمرة/استغني عن مزراب العين ومن عيني عبي الجرة/قلبي بحكيلك عنو بحبك نهداتي تغنو/ومهما تبريتي منو من حبك ما بيتبرى/شفت الزنبق والمنتور عن دربك بيلمو عطور/انت بسمة فجر النور وع جبين الكوكب غرة»
و بسبب الظروف والأحداث السياسية والإقتصادية التي طرأت على لبنان في السنوات الأخيرة فقد غاب هذا الفنّ عن سائر القنوات اللبنانيّة بشكل شبه كلّي مع بعض الاستثناءات البسيطة، كبرنامج “أوف” الذي شكّل محطة بارزة للهواة، ولم يتمكن شعراء الزجل من الجيل الجديد من الحفاظ على مكانته اليوم و لم يستطيعوا أن يثبتوا أنفسهم على الساحة بعد، ولم ينجح أي شاعر شاب منهم في تأسيس جوقة، على الرغم من بعض المحاولات التي لم تعش أكثر من سنة.