بين تعاضد الحاضر وصمود الماضي تقف غزة أسيرة الموقف العربي أمام الدكتاتورية الجديدة
رشيد العجيل
تشهد غزة اليوم مأساة إنسانية غير مسبوقة، حيث يتعرض سكانها لحصار خانق وقصف مستمر يستهدف البنية التحتية والمدنيين، في ظل محاولات إسرائيلية ممنهجة لفرض واقع جديد على الأرض. هذا الواقع يعكس تنسيقًا بين حكومة بنيامين نتنياهو والإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، والذي يتمحور حول تكريس الاحتلال والسيطرة على الضفة الغربية وغزة، بل وحتى التمهيد لتهجير قسري للفلسطينيين كما أعلنها صراحة دكتاتور العالم الجديد من بلد قيادة الديمقراطية.
مقارنة مع الموقف العربي في 1973
عندما نستحضر مواقف الدول العربية في لحظة مفصلية كتلك التي حدثت عام 1973، نجد فارقًا واضحًا في الحراك السياسي والعسكري. في ذلك العام، وحدت الدول العربية جهودها في مواجهة إسرائيل عبر حرب أكتوبر، التي مثلت نموذجًا للقدرة على التخطيط والعمل المشترك. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت الدول النفطية، وعلى رأسها السعودية، ورقة الحظر النفطي كأداة ضغط هائلة على الدول الغربية لدعم القضية الفلسطينية. كانت هذه الفترة علامة فارقة في إثبات القوة العربية على الساحة الدولية، ما أجبر العالم على إعادة النظر في مواقفه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.
اليوم، ورغم تشابه القضايا الجوهرية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية، إلا أن الرد العربي يفتقد ذلك الزخم الموحد والفعالية التي شهدناها في الماضي. بات العمل العربي يتخذ طابعًا دبلوماسيًا سلميًا، يرتكز على بيانات الشجب والاقتراحات السياسية، دون أن يتحول إلى خطوات ملموسة على الأرض.
الجهود الحالية: دعم سياسي أم صدى بلا تأثير؟
تقود السعودية ومصر والعراق والجزائر، بالتعاون مع دول إسلامية كإيران وتركيا، مسارًا سياسيًا جديدًا يقوم على محاولة فرض حل الدولتين عبر ضغوط دبلوماسية بدعم روسي وصيني. في مواجهة مشروع ترامب ونتنياهو الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، تحاول الدول العربية حشد دعم دولي لخلق توازن سياسي يعيد للمنطقة حقوقها المشروعة. إلا أن غياب الأدوات القوية التي كانت متاحة في السبعينيات، كالعمل العسكري أو الحظر الاقتصادي، يجعل هذه الجهود عرضة للتجاهل أو الالتفاف عليها من قبل القوى الغربية.
التحدي الأكبر: غياب الوحدة العربية
التحدي الأساسي الذي يواجه الموقف العربي اليوم هو الانقسام الداخلي وضعف الإرادة المشتركة. فبينما تعمل بعض الدول على تعزيز التطبيع مع إسرائيل، تصر دول أخرى على التمسك بالمبادرة العربية للسلام التي اقترحتها السعودية عام 2002. هذا التباين يجعل من الصعب على العرب أن يشكلوا جبهة واحدة قادرة على مواجهة المخططات الإسرائيلية والأمريكية.
الفرص المتاحة: حشد تحالف دولي جديد
رغم الصعوبات، يظل هناك أمل في استعادة بعض الزخم العربي والإسلامي عبر بناء تحالف دولي جديد يشمل روسيا والصين والدول الإسلامية. هذا التحالف يمكنه أن يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية عبر مقترحات جادة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. على الدول العربية أن تستثمر في هذا التوجه لتعزيز نفوذها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفرض حل يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه.
الخاتمة
بينما تكافح غزة تحت وطأة الاحتلال والمخططات التوسعية، يجد العالم العربي نفسه أمام اختبار حقيقي: هل سيستعيد روح الوحدة والقوة التي كانت حاضرة عام 1973، أم سيبقى أسيرا" للتناقضات والخطوات الرمزية؟ الإجابة تكمن في قدرة الدول العربية على تجاوز خلافاتها، وتفعيل أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لدعم الحق الفلسطيني، قبل أن تفقد المنطقة فرصة جديدة لتحقيق العدالة والسلام.